"هورايزون" على "نتفليكس": رحلة ساحرة في عوالم الطبيعة السعوديةhttps://www.majalla.com/node/307696/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%87%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%86%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
ظهر العرض الأول للوثائقي "هورازيون" Horizon Saudi Arabia على منصة "نتفليكس" في بداية 2024، ويمثّل إطلالة مختلفة للجمال الطبيعي في المملكة بمناطقها المختلفة جغرافيا، واليقظة البيئية للمؤسسات السعودية في الحفاظ على الموروث الطبيعي لمناطق طبيعية فيها. الفيلم التوثيقي من إنتاج "مبادرة كنوز" السعودية، بالتعاون مع وزارة الإعلام والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية.
يشمل الوثائقي غالبية المناطق الطبيعية والبيئية المركزية في المملكة، بدءا من الحياة البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي وصولا إلى أعلى المناطق في سلسلة جبال عسير، مع عرض لحياة الكثير من البيئات المحلية والنشطاء البيئيين في علاقتهم مع الطبيعة وثرواتها التقليدية والخاصة.
مشهدان
تبدأ اللقطات في الفيلم بوصفها صناعة لمشهدين: مشهد طبيعي عام يمكن رؤيته في الكثير من الصور واللقطات عبر الإنترنت، ومشهد خاص بحمل درامي توثيقي ومعرفي، فيه محاكاة حقيقية لتفاصيل الطبيعة والحيوانات وأغلب تعبيراتها، مع تفاصيل يسردها المعلّق على الصور؛ تفاصيل بيولوجيّة وفيزيائية عن الحيوانات، وبيئية عن الطبيعة تُظهر حدّة الصراع بين المناخ وحيوانات المنطقة. كالصراع مع الحَرّ، ومع ربيع الصحراء، ومع الجفاف ومكافحة ندرة المساحة الخضراء. ففي كل منطقة من مناطق المملكة يحمل كل حيوان بري حياته بوصفها صراعا مع القيظ الشديد وموجات الجفاف الهائلة. حتى ربيع الصحراء هو ربيع العواصف الرملية، وانتظارات مختلفة لانتهاء الحر وسطوة الرمال. كل منطقة هي مسؤولية أخلاقية لإعادة الطبيعة والإخضرار إليها.
الكاميرا ترصد كل شيء ببطء وعمق وبحرص على دقّة التفاصيل وعمق تأثيرها
يأخذنا الفيلم في رحلة بحرية مبدئية، باطن العمق البحري، من المرجان والمناطق الأرخبيلية، إلى حياة الكائنات البحرية المتنوعة، فيرصد أكثر التفاصيل عمقا وتحديدا في حياة الكائنات الموجودة. العمق البحري المصون من برنامج الإنسان والمحيط البحري التابع لليونسكو، ربطا بالجهود الحثيثة واليقظة لإعادة إنتاج الحياة الممكنة والفضلى للكائنات البحرية عبر المؤسسات السعودية المختلفة. في البحر تؤخذ اللقطات من القاع، الكاميرا ترصد كل شيء ببطء وعمق وبحرص على دقّة التفاصيل وعمق تأثيرها. لكل حيوان أو سمكة رحلته، بدءا من الوجه إلى تكيفات الجسد وقدراته، والعمل على إخضاع كل السبل لمساعدة الكائنات البحرية على التكيُّف والبقاء.
النظرة التي تُمليها الكاميرا على المشاهد هي المحاكاة الآثرة للبيئة وحيواناتها وآثارها. فاللقطات البطيئة توازيها موسيقى تتغير حسب حركة الكائنات البحرية، مدى انسجامها وتراقصها، وضمن مستويات القلق الإنساني البيئي والطبيعي عليها. فالهدوء في القاع والموسيقى والبطء سيأخذ منحى دراميا مختلفا ما أن نصعد الى المساحات الواسعة للصحراء وتضاريس الجبال.
الرحلة تأخذنا للسعودية
Horizon وثائقي جديد عن الحياة البيئية المتنوعة في المملكة العربية السعودية، يُعرض الآن باللغتين العربية والإنجليزية. pic.twitter.com/5cZvJyfHsq
اللقطات الجوية تنتقل سريعا إلى الأرض وإلى البدايات النامية للغابات، وترصد غابات شجر المانغروف، الشجر الذي يزرع بشكل واسع لترطيب الأرض، ولخدمة الكون أيضا، وذلك من خلال قدرة الشجرة والغابة على تصريف الكربون، وإخضاع الحياة البرية لشكل آمن وغزير الحياة والجذب لإعادة حيوانات المنطقة وطيورها إلى موطنها التقليدي. في الغابة ستظهر الطيور المختلفة، أشهرها "النحام"، الذي يرصده الفيلم في الغابة، والذي يظهر كضيف سنوي على الغابات الطبيعية في السعودية، ثم تنتقل الكاميرا إلى حيوانات أكثر ندرة ومقاومة، كالغزال العربي، وحيوان المها والوعل. للفيلم رسائل خليطة، فما أن يظهر الغزال العربي سيكون التعليق "الغزال العربي الخجول"، مبرزا الدور الإنساني الخاطئ الذي يتم اليوم تلافي أخطائه.
فكل حيوان بري يجري إنتاج معايير أفضل لبقائه، وحماية طبيعية لطرقه وعزلته ومحاولة لجعله أقلّ خوفا، وأكثر اتزانا لتشكيل بيئته والاستقرار فيها. يقدم الفيلم صور العزلة والقوة والتكيّف، خاصة في رصد الخصائص الفيزيائية للمقاومة، وجعلها إطارا للمعنى والقيمة، فالشَعر والجلد والأقدام، والحر والظل مع صورة تُبرز القسوة وصعوبات لا يُمكن أن يكون فيها الحيوان وحيدا دون مساعدة البشر واهتمامهم.
يقدم الفيلم صور العزلة والقوة والتكيّف، خاصة في رصد الخصائص الفيزيائية للمقاومة، وجعلها إطارا للمعنى والقيمة
لا يُركز الفيلم على أكثر الحيوانات شيوعا في المنطقة، بل يمنح حتى أصغر الحشرات دورا. صيادو ربيع الصحراء الذي تمثّل فيه العواصف الرملية صعوبة درامية للكثير من الحيوانات، تبدو صيدا هادئا للبذور لدى النمل والحشرات الصغيرة المختبئة في الرمل. تحاول اللقطات إبراز صعوبات الحياة البيئية دون جعل الصعوبات أمرا مستحيلا، فالكُثبان الرملية المتجددة، وتغيرات الأشكال والتضاريس هي صعوبة وآلية تَعلُّم لكل قاطع للصحراء من الحيوانات، ودفن لعوالم تتجدد لكل حيوان ومتابع بيئي.
صراع
لدقائق طويلة تُظهر الكاميرا ممكنات الظل، وصراع الحيوانات للوصول إلى مرامي طعامها وحريتها مع بيئة تعطي درسا لكل موجود حولها وفيها لتجاوز صعوباتها. الوعل النوبي الذي يظهر بأعداد قليلة أيضا، بلونه البني وقرونه الملتفة، أمام إحدى أكبر الكتل الصخرية جمالا وتجفافا وقسوة، وهو يبحث عن الأعشاب القصيرة النامية بعد كل مطر. تبدو التضاريس البديعة والصخور المتراتبة كالأدراج مسرحا كبيرا له، لكن الكاميرا في الوثائقي تركّز في كل مرة على وجه الحيوان وجسده كأنه كائن درامي، وضيف مُتابع، لفهم حركاته وتصرفاته وسلوكه الممكن، ومدى ارتياحاته وقدرته على البقاء.
حيوانات أخرى مهددة بالانقراض، تحظى بالرعاية لتعود إلى حالاتها الطبيعية وانتشارها اللازم. النمر العربي الذي أشارت التقديرات الى وجود 200 منه فقط، يلقى الاهتمام والرعاية في مركز خاص، وكاميرا الفيلم تمضي نحو النمر المُربّى في المركز لتُخضِع المشاهد للتأمل ليشاهد الجمال والقوة والتفاصيل الآثرة فيه، تفاصيله كلها يتم تحفيز المشاهد نحوها. إنه ليس نمرا فقط أو حيوانا يُمكن دراسته، بل دراما يشترك فيها العلم واللعب والرعاية والتأمل الطويل والصبر والقدرة على تحفيز هذا النمر من جديد نحو الحياة البرية والتكاثر الطبيعي، وهذا مشروع حياة مشترك بين الإنسان الراعي والحيوان الذي تنتج طفولته ودائرة حياته من جديد.
حركة الهواء
بعد نقلة الفيلم من قاع البحر إلى الأرض والصحراء وجبال عسير، يرصد الفيلم حركة الهواء الساخن والرطب من الساحل نحو أعلى المرتفعات. ثمة انتظارات أخرى لشجر العرعر الذي يقدم غصونه كمضيف لنباتات البروميلية التي تحمل رطوبة الريح الآتية إلى ارتفاع 2700 متر من البحر لتتقاسمها مع أشجار العرعر، فيتم بالتالي إنتاج المساحة الخضراء. تلك الصلة تأخذ في الصورة بُعدا مدهشا، مع موسيقى تجعل تأمل الارتحال والريح أمرا مدهشا، وسياقا لاتصال الطبيعة بشكل سحري. السفح الجبلي وخضرته الآتية من رطوبة البحر ستظهران سعدان الرباح المقدس، المتجذر في المنطقة، والطيور الساحرة أيضا.
يعرض الوثائقي النظام البيئي والجمال الطبيعي، وفي آن واحد يُظهر درجات وعي الإنسان في فهم محيطه وبيئته
دور الإنسان مرصود في الفيلم بشكل حيوي، 4000 مربّ للنحل، إحدى أقدم المهن في السعودية، وأحد أهم عناصر الحماية الحالية في المملكة، مع إطلالة على تربية الجِمال ومتابعة الواحات المائية في قلب الصحراء. لكن الجزء الإنساني الأكبر هو فلسفة الفيلم ذاته، في أن يكون الدور الإنساني نَشِطا ومركزيا، من جامعة الملك فهد التي تزرع صناعيا المرجان الطبيعي في الأحواض المُعدّة خصيصا لإعادة تثمير المرجان، وتؤمن له أحواضا لاستعادة نشاطه الحيوي ثم زرعه في الخلجان المائية قويا قادرا على إعادة تشكيل الحياة في عمق البحر كمتتالية لحياة طبيعية. يتعاون في هذا المركز الجامعي العريق علماء ينشئون بأفكارهم وفقا لمشكلاتٍ يواجهونها، وحماة بيئة حُكُوميون، وغوّاصون محترفون. إنها آلية متكاملة ووعي بيئي جمالي.
جزيرة الفرسان
ثم يرصد الفيلم صيادي جزيرة الفرسان، بلباسهم التقليدي، وسفنهم الخشبية الصغيرة التي تحمل الصياد مندفعا مع أفراد من عائلته نحو الصيد، الذي تتم حمايته لكي لا يكون جائرا على الحياة البحرية. ما يكون تقليديا في الفيلم كالصيد وتربية النحل وملتصقا بحياة الناس وطبيعتهم المتكيفين معها، أصبح أكثر مسؤولية. وعينا بالطبيعة والجمال والجذب الإنساني أصبح أكثر مسؤولية. لغة الفيلم تتوازى مع آلية ترشيد في المملكة لضبط انفعالات وتأثيرات البشر وفهم سياقها. المسؤولية الحكومية تبدأ من أصغر الكائنات والضيوف، فالسلاحف البحرية التي تضع بيوضها على الشطوط وتمضي نحو المحيط ليلا، هي مسؤولية حماة البيئة والحياة الحيوانية في رحلتهم النهارية لنقل السلاحف الصغيرة التي تضل الطريق نحو المحيط في اتجاه أضواء المدينة وهي تظن أن المدينة هي مكانها بدلا من المحيط، مما كان سيؤدي إلى انقراضها لولا التدخل الإنساني الدائم في ترشيد طرق السلاحف.
هنا يرصد الفيلم التفاصيل وانخراط الناس في العمل البيئي بصمت، مكتفيا بصوت المُعلّق، أما البشر المنخرطون في كل هذا فيعملون بصمت، وبعلاقة خاصة بالكون. حتى النّشطاء الذين يجمعون البلاستيك من الشطوط لا نسمع أصواتهم، ولا علماء البيئة في جامعة الملك فهد، ولا مُربّو النمور. لغة الصور الفيلمية هي الأعلى، والحيوانات التي علينا التعاطف معها هي شخصيات الفيلم بكل تعبيراتها وأتعابها. الكاميرا في الفيلم ترصد بمشاهد متعددة كل حيوان وسماته، ولا تُحرجه بأي لقطة أُحادية أو تقليدية، بل بلقطات بعيدة ومقربة، بطيئة وطبيعية ومُبطّأة أحيانا. الفيلم يستعرض الحيوانات والبيئة بوصفها دراما لا شأن لنا فيها نحن البشر سوى مساعدتها بتعاطف ومسؤولية شديدة. كل لقطة قريبة أو رصد لعائلة من الحيوانات هي قصة لتاريخ للمنطقة، ولجمال يمكن الاحتفاء به وتغطيته من جديد في مخيلتنا وفي وعينا أيضا.
الكوارث والحرائق الناجمة عن اشتداد الحر، تستدرج التحول نحو الواحة وحياة الماء المنقولة داخل جسد المملكة. ستظهر لنا في الوثائقي عشرات الحيوانات وعشرات الحشرات والزواحف والحيوانات. إنها المملكة بكل تفاصيلها بدءا من حصتها من الكون في المناخ ودورته، عبر الكاميرا، إلى قدرة المملكة على رصد الضيوف والسكان وتحسين شروط حياتهم. الفيلم عرض للنظام البيئي والجمال الطبيعي، وفي آن واحد يُظهر درجات وعي الإنسان في فهم محيطه وبيئته وهدفه إبراز دور الاستدامة الكونية للعيش وفقا لطبيعة رَحُومة أيضا يمكن اكتشاف تفضيلات العيش معها ومن خلالها.