قليلة هي المواقف التي اتفق عليها قطبا إسطنبول "غلطة سراي"، و"فنربخشة"، في تاريخهما الذي يمتد لأكثر من قرن، والحافل بشتى أنواع الخلافات على أرض الملعب وخارجه.
العداوة التي وصلت أحيانا إلى حد العنف أنتجت بعض اللحظات الأيقونية في تاريخ المنافسة بين الجيران في كرة القدم، لعل من أبرزها تلك التي زرع فيها مدرب "غلطة سراي" جرايم سونيس علم ناديه في منتصف ملعب منافسه اللدود في النهائي الأشهر في تاريخ كأس تركيا عام 1996، قبل أن يفلت بمعجزة من فتك جماهير "فنربخشة" به ليتحول بهذا الفعل إلى أسطورة في تاريخ "غلطة سراي"، رغم أنه قضى موسما واحدا مع الفريق.
في الرياض قبل أيام قليلة كان من المفترض أن ينقل الناديان المنافسة الكبيرة بينهما إلى السعودية لخوض مباراة كأس السوبر التركي. ولكن بدلا من أن نشاهد حلقة أخرى من "الديربي العابر للقارات" كما يطلق عليه بين "غلطة سراي"، الممثل للشطر الأوروبي من إسطنبول، و"فنربخشة" فخر الطرف الآسيوي من المدينة نفسها، اتفق الفريقان في سابقة نادرة على عدم الذهاب إلى الملعب، وأطلت السياسة وشعاراتها لتطفئ أنوار ملعب "الأول بارك" دون أن تقام المباراة. بينما أشعلت الجدل من جديد حول ما يمكن أن يدخل الملعب مع الجمهور واللاعبين من شعارات سياسية وما يجب أن يبقى خارج حدود الكرة.
إصرار الفريقين على ارتداء قمصان تحمل صور مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وبعض أقواله هو الذي أدى إلى إلغاء المباراة، بعد أن خالف ذلك الإصرار الاتفاق المسبق بين المنظمين والناديين واتحاد الكرة التركي. لكن هذا الجدل الذي وحد الفريقين في موقفهما لم يكن سوى انعكاسا لواقع متوتر بشكل بات معتادا مؤخرا في كرة القدم التركية، يغذيه مؤخرا مد قومي متصاعد ليس مستغربا أن تظهر آثاره في لعبة بتلك الجماهيرية.
اقرأ أيضا: مارادونا 1986... الفتى الذي علّمنا السحر
الاحتفالات بمئوية الجمهورية التركية دفعت الفريقين إلى المطالبة- قبل السفر إلى الرياض- بتغيير محل إقامة المباراة، إما إلى الملعب الأولمبي في إسطنبول الذي يحمل اسم أتاتورك، وإما إلى ملعب 19 مايو/أيار في مدينة سامسون، حيث بدأت شرارة ما يعرف بـ"حرب الاستقلال" التي انتهت بإعلان الجمهورية. وخلف تلك الاقتراحات يبرز اسم علي كوتش، سليل أغنى العائلات التركية ورئيس نادي "فنربخشة"، الرجل الذي حل قبل سنوات خلفا لعزيز يلدريم في رئاسة النادي رغم دعم صريح للأخير قدمه رئيس الدولة رجب طيب أردوغان، المعروف بتشجيعه للفريق الأصفر والأزرق.
انتماء أردوغان لـ"فنربخشة" لم يمنع جماهير النادي من الهتاف ضد الحكومة في ملعب النادي بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا مطلع العام الماضي، مثلما لم يمنع كوتش من تعزيز علاقة وثيقة تجمع عائلته بحزب الشعب الجمهوري المعارض والذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي للأتاتوركية العلمانية.