يظهر متحدثون رسميون إسرائيليون ونشطاء على السوشيال ميديا للدعوة إلى طرد الفلسطينيين من غزة كحل جذري يضمن أمن السكان الإسرائيليين القريبين من القطاع. وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير رأى في رسالة وجهها إلى الإدارة الأميركية أن تهجير الغزيين "هو الحل العادل والأخلاقي" الذي يضمن مستقبل الإسرائيليين.
وغالبا ما يرفع المتحدثون هؤلاء خريطة للدول العربية ويرددون أن تلك المساحة العربية الشاسعة تستوعب من دون أية مشكلة، بضعة ملايين إضافية من الفلسطينيين الذين يجب إخراجهم من أرضهم في الضفة الغربية وغزة. وتُرفق هذه الأقوال مع اتهامات للدول العربية بالأنانية والكراهية تجاه الفلسطينيين من خلال الامتناع عن مساعدتهم ومساعدة إسرائيل والعالم على حلّ هذه المعضلة.
"لماذا لا يستقبل العرب الذين تمتد أراضيهم من المحيط الأطلسي إلى بحر العرب، سكان الضفة الغربية وغزة؟"، يتساءل حاملو الخرائط الإسرائيليون. الإجابة تتلخص في عدة نقاط يتعين على الإسرائيليين وممن يسير في ركب المقولة تلك فهمها:
استقبل العرب، بالفعل، مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مراحل مختلفة من الصراع مع إسرائيل، خصوصا في العامين 1948 و1967. النتائج لم تكن مشجعة
- استقبل العرب، بالفعل، مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مراحل مختلفة من الصراع مع إسرائيل، خصوصا في العامين 1948 و1967. النتائج لم تكن مشجعة. من جهة، استمرت القضية الفلسطينية من دون حل، بل تطورت إلى قضية أكثر تعقيدا بوجود اللاجئين في الدول العربية المجاورة ثم في دول الشتات حول العالم. وأسفر ذلك عن خلافات عميقة بين الفلسطينيين والدول تلك، لعل أبرزها ما جرى في سبتمبر/أيلول 1970، وفي لبنان بين 1975 و1982.
- عليه، من الضروري التساؤل عن نتائج تهجير المزيد من الفلسطينيين إلى الدول العربية وما يمكن أن يشكله ذلك، ليس على الأمن القومي للدول تلك فحسب، بل أيضا على مصير القضية الفلسطينية.
الفلسطينيون في الدول العربية والشتات هم من أطلق الكفاح المسلح في 1965 وهم من حمل عبء القضية (وذنوب أصحابها) حتى طردت إسرائيل منظمة التحرير من بيروت في 1982. إبعاد المزيد من الفلسطينيين عن أرضهم لن يفضي إلى تخليهم عن حقوقهم كما تقول التجربة بل الارجح أن تُصعد مخاوف وشكوك اضطرابات دول المنطقة.
على عكس ما يزعم بن غفير وأشباهه، فإن طرد الفلسطينيين هو النقيض التام لكل ما يمس الأخلاق بصلة
- ترسم الخرائط الإسرائيلية الدول العربية ككيان واحد متصل، ما يعطي الانطباع بأن ثمة وحدة ما، تحكم اتخاذ القرار السياسي على هذه المساحة. لا شيء أبعد عن الحقيقة من هذا القول. ذلك أن الدول العربية تعجز منذ استقلالها عن إيجاد حد أدنى من التعاون البيني، السياسي والاقتصادي والأمني. الامثلة أكثر من أن تحصى على شلل العمل العربي المشترك. بل إن بعض دولنا يمنع مواطني البعض الآخر من دخول أراضيه، سواء بتأشيرة أو من دونها. كيف يمكن تصور أن تتفق دول حالتها كما سبق وصفه، على استقبال ملايين اللاجئين أو توزيعهم؟
هذا كلام يتجاهل أن الخصوصيات العربية المحلية أقوى بأشواط من الكلام العام عن الأخوة والوحدة العربية والمصير الواحد ناهيك ان في العديد من الدول عربية مشكلات داخلية تهدد بتفجير داخلي لاعتبارات طائفية وجهوية وعنصرية تعود جذورها الى مئات الاعوام (لبنان مثالا). وأن استفزاز الخصوصيات هذه يفضي في كل مرة إلى صراعات عربية– عربية بعضها لا زالت نيرانه مشتعلة.
المفارقة أن دعاوى الوحدة العربية والشعب الواحد التي روجت لها الأنظمة القومية منذ خمسينات القرن الماضي، قد انقلبت على أصحابها وبات الإسرائيليون هم من يطالب بتحقيق شعاراتها عبر استقبال الفلسطينيين.
- على عكس ما يزعم بن غفير وأشباهه، فإن طرد الفلسطينيين هو النقيض التام لكل ما يمس الأخلاق بصلة. أن تسعى إلى طرد شخص من بيته، وأن تقر في الوقت ذاته بملكيته له، بذريعة أنه يهدد أمنك، يمنح الشخص هذا الحق في الدفاع عن "ملكيته الخاصة" التي تبلغ حد القداسة في قوانين بعض الدول ويذكر بمقولة "قف على أرضك" التي تشرع وفقها بعض الولايات الأميركية قتل كل من يتجاوز حدود الملكية العقارية. لكن الإسرائيليين، يرون أن من حقهم ومن واجب العالم والدول العربية المساعدة على طرد الفلسطينيين من دون أن يعترفوا بأن رفضهم للحل السياسي وللحقوق الفلسطينية وإصرارهم على احتلال يمارس التمييز العنصري، بحسب منظمات حقوقية دولية عدة، هو اللا أخلاقي وهو ما يولد العنف ويطلق شرارته.
- يجب أن توضع "الأخلاق" بمعناها الواسع موضع تساؤل عندما يتسلم أشخاص يغلب التبسيط والاختزال ونفي الآخر والتاريخ والحقائق الموضوعية، مثل بن غفير وزميله بتسليل سموتريتش، زمام قضية أكبر من تصوراتهم المبنية على الخرافة وأن يتقرر مصير ملايين البشر بناء على ذلك.