بات في الإمكان التقاط مؤشرات عديدة إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تشهد الآن تحولا مفصليا نحو "المرحلة الثالثة" وفق التسمية الأميركية والإسرائيلية، باعتبار أن المرحلة الأولى تمثلت في الرد الإسرائيلي على هجوم "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من خلال القصف المكثف على قطاع غزة، أما المرحلة الثانية فقد بدأت مع انطلاق الهجوم البري الإسرائيلي في القطاع يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
عمليا ازداد الحديث عن "المرحلة الثالثة" قبل نحو أسبوعين، وذلك بسبب الضغوط الأميركية على إسرائيل، بأن ليس في مقدورها الاستمرار في الحرب بالوتيرة نفسها في ظل الارتفاع القياسي في عدد الضحايا الفلسطينيين ما فرض ضغوطا سياسية على الإدارة الأميركية. كذلك فإن استمرار الحرب بالكثافة النارية نفسها من شأنه أن يزيد احتمالات اتساع الصراع في المنطقة ما يؤثر على خطط أميركا فيها على المدى البعيد.
لكن الانتقال إلى "المرحلة الثالثة" لم يكن فقط نتيجة الضغط الأميركي على تل أبيب بل أيضا لأن إسرائيل نفسها لا تستطيع الاستمرار في حربها ضدّ القطاع بالوتيرة نفسها، بالنظر إلى أن قوتها النارية بدأت تنقلب ضدها لناحية تفاقم النقمة العالمية عليها، وإن كان ذلك لا يجب أن يدفع إلى التشكيك في قوة الدعم الأميركي والغربي لها منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. كما أن إسرائيل حققت واقعيا أهدافا عسكرية ضدّ "حماس" شمالي القطاع، وهو ما يتيح لها الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب، وإن كانت عمليا لم تحقق "صورة نصر" كبيرة.
ومن المؤشرات على الانتقال إلى "المرحلة الثالثة"، الخطط الإسرائيلية لإخراج خمسة ألوية من القطاع، بينهم ألوية من الاحتياط، وسط تباين إسرائيلي حول الوجهة الجديدة لهذه الألوية، بين من يقول إن وجهتها ستكون خان يونس حيث يتوقع أن تتركز العمليات القتالية في المرحلة المقبلة، بالنظر إلى التقدير الإسرائيلي بأن قادة "حماس" بمن فيهم يحيى السنوار يتحصنون فيها، وبين من يقول إن وجهتها ستكون الحدود مع لبنان للاستعداد لاحتمال حرب واسعة مع "حزب الله"، أو حتى لتعزيز الردع ضده.