بايدن والسياسة الخارجية الحذرة
ستؤثر التحديات السياسية الداخلية على سياسة بايدن الخارجية في عام 2024. وسيسعى لإقناع الناخبين الأميركيين بأنه قائد لمعظم دول العالم في القضايا الهامة، وفي الوقت نفسه سيتجنب أية مغامرات خارجية كبيرة جديدة، بما في ذلك الدخول في حرب كبرى. وسيؤكد على القيادة الأميركية للتحالفات التي تولد تعاونا عسكريا واقتصاديا متعدد الجنسيات ضد التهديدات المشتركة، بما في ذلك منافسو الولايات المتحدة الجيواستراتيجيين الصين وروسيا.
وسيكون بايدن حذرا بشأن أية التزامات عسكرية جديدة، لكن في الوقت نفسه لن يرغب في أن يظهر بمظهر الضعيف. ولذلك، سيواصل دعم أوكرانيا بقوة ولن يضغط على كييف علنيا للتفاوض مع الرئيس بوتين.
وظهر التوازن الذي يعمل عليه بايدن بشكل جلي في أثناء لقائه بالرئيس الصيني شي جين بينغ في سان فرانسيسكو خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ إذ تحدث بلهجة قوية في العلن، وفي الوقت نفسه توصل إلى اتفاق مع الصين لتقليل صادراتها من الفينتانيل، وهو دواء يسبب إدمانا ومشاكل اجتماعية واسعة الانتشار في أميركا. وسيشدد بايدن أيضا على التعاون الواسع في مواجهة التغير المناخي، وهي قضية تستهوي خاصة الناخبين الشبان الذين يحتاج إلى حماستهم لحملته الانتخابية. في المجمل، سيواصل استخدام سياسة التنافس والتعاون الحذرين في القضايا العالمية.
وفي هذا الإطار، لن يجري بايدن في السنة الرابعة من ولايته أية تغييرات كبيرة على سياسته تجاه الشرق الأوسط. وسيحاول إيجاد نهاية مستدامة للصراع في غزة، مع تجنب الدخول في جدال علني كبير مع الحكومة الإسرائيلية.
وسيكون من الصعب على بايدن أن يقنع الحزب الجمهوري أو حتى بعض الديمقراطيين بتوفير مليارات الدولارات لإعادة إعمار غزة. لذا، سيحاول تشكيل تحالف دولي لإنشاء صندوق لدفع مليارات الدولارات اللازمة لتحقيق الاستقرار في غزة على المدى القصير. وستسلط إدارته الضوء على هذه الجهود أكثر لإقناع الأميركيين العرب بنسيان دعم بايدن للحملة العسكرية الإسرائيلية، والوقوف معه مرة أخرى.
وبالتالي، سيشكل الأمن في غزة عام 2024 تحديا كبيرا آخر. وإذا احتلت إسرائيل المنطقة، ولم تقدم الكثير للفلسطينيين المهجرين، فإن غضب الجالية العربية الأميركية وأقصى اليسار الأميركي ضد بايدن لن يتضاءل. وإذا انسحبت، فإن الجمهور الأميركي سيتردد في إرسال جنود أميركيين لفرض السلام في غزة.
وسيكون من المستحيل في ظل السياسة الأميركية الحالية وضع جنود أميركيين تحت قيادة الأمم المتحدة. وبالتالي، ستفضل واشنطن أن تتولى منظمة دولية ما مهمة الأمن في غزة. وبطبيعة الحال، سيكون لإسرائيل آراء قوية بشأن هذه القوة الأمنية، وسيكون بايدن مرة أخرى حذرا للغاية بشأن معارضة القدس علنا، خاصة في عام الانتخابات. وسيحتاج إلى قوات دعم من الدول العربية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل ودول إسلامية أخرى لتحقيق أي تقدم في أزمة غزة عام 2024.
وفي المرحلة اللاحقة لغزة، لا يمكن أن نتوقع من إدارة بايدن الحالية (أو الإدارة الجديدة) إطلاق مبادرة جديدة لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين في عام 2024؛ حيث إن بايدن ليس بالرئيس الديمقراطي المؤهل لمثل هذه المهمة.
وفي هذه الأثناء، سيحافظ بايدن على توازن حذر في تعامله مع إيران، فهو لن ينسحب من سوريا والعراق، وسيأمر بضربات ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق من حين لآخر لردع إيران عن شن هجمات أكبر ضد القوات الأميركية الصغيرة هناك. ولن تتغير خطوطه الحمراء؛ فقتل الجنود الأميركيين سينتج عنه رد انتقامي قاس، إذ إن السياسة الداخلية الأميركية تفرض ردا كهذا. وتكمن المخاطرة هنا، كما يعلم البيت الأبيض، في أن تتجاوز واشنطن خطا أحمر إيرانيا في ردها، مما يؤزم الوضع ويؤدي للتصعيد، وذلك على الرغم من رغبة بايدن في ردع إيران فقط وليس محاربتها.
وفي الوقت نفسه، سيأمل بايدن في أن تقبل إيران الاستمرار في الاتفاق الضمني الحاصل فعليا والذي بموجبه لا تتقدم إيران في سعيها للحصول على سلاح نووي بينما تتجاهل واشنطن شحنات النفط الإيرانية إلى آسيا، وخاصة الصين. ومع مرور الوقت، تتقبل إدارة بايدن أكثر فأكثر، وبصمت، حقيقة أن إيران لا تزال على أعتاب القدرة على تطوير أسلحة نووية.