يتمحور فيلم ألكسندر باين الجديد The Holdovers، أو "العالقون" (بمعنى غير القادرين على المغادرة) حول مدرّس تاريخ في مدرسة داخلية خاصة يضطر أثناء إجازة عيد الميلاد لملازمة طلابه الذين لم تتسنّ لهم مغادرة المدينة لزيارة أهلهم.
يرفض باين، المخرج والكاتب الحاصل على جائزتي أوسكار في السابق للكتابة في أفلام "طرق جانبية" (2004) Sideways و"الأحفاد" (2015) The Descendants رفضا قاطعا ردة فعل بعض المشاهدين إزاء فيلمه الجديد، قائلا إنه يشعر بالغثيان من فكرة أنه صنع فيلما "دافئا". لم أستطع منع نفسي من موافقة فكرة المخرج، إذ أنني رأيته فيلما غارقا في الحزن، ذلك الحزن الذي لا يغمرك دفعة واحدة، بل يتسرب بهدوء مع تساقط أقنعة الفيلم وتكشّف ثيماته المتعددة، حتى يصبح ما أمامك حزن مجرد وبؤس لثلاث شخصيات يربطها ألمها العميق.
قبل كل ذلك، يبدأ الفيلم بتصوير منهجي وكأنه ورقة بحث علمية، فيظهر التنسيق الكامل للمشهد وحتى أسماء العاملين في الفيلم على نحو فريد في مساحات خالية على الجدران، تاركة الممثلين والديكورات تستحوذ على بقية المشهد، وقد يكون هذا سبب الرأي السائد بأنه فيلم دافئ. إن أجواء الفيلم توحي بالعيد فعلا، أضف إلى ذلك ديكورات التصوير والكادرات التي تعتنق الروح الأكاديمية والفصول الدراسية، لتجد نفسك أمام ذكريات يمكنك الارتباط بها بغض النظر عن نشأتك وخلفيتك الدينية والثقافية، لأننا جميعا جربنا ذلك الشعور الدافئ بتوديع القاعات الدراسية مؤقتا لاستقبال العيد. حينما يرحل جميع الطلاب والمدرسون وتبقى شخصيات الفيلم الرئيسية في مبنى ضخم خال من روح الأعياد يذكرهم بوحدتهم باستمرار، يتحول الانطباع أن هذه الشخصيات سوف تجد العائلة المفقودة في بعضها بعض وسوف يكون لعيد الميلاد هذا نكهة خاصة وفريدة لكل فرد منهم.