"جوهرة المراصد"، دفتر الحضور والغياب هو آخر إصداراته، كتابُ السيرة الذاتية الذي كتب فيه عن أصدقائه، ممن شاركوه في صياغة حياته، ونحن نحاور صاحب الفصل الأخير فيه، "قاسم حداد... تقريبا" كما جاء عنوانه.
-
"قاسم حداد... تقريبا"، ماذا يمكن أن تقول لنا عن ذلك؟
"قاسم حداد... تقريبا" كتبته استجابة لطلب من الصديق الكاتب سعد الدوسري لمجلة تصدر في الإمارات، كان يعمل بها منذ سنوات.
-
ما بين ديوانك الأول، "البشارة"، 1970، وديوانك الأحدث، "ثلاثون بحرا للغرق"، العديد من الدواوين، عَرَفت فيها لغتُك الشعرية تحولاتٍ مهمة، كيف تُقيم حركة النقد الشعري انطلاقا من تجربتك الخاصة، وهل تشارك بعض الشعراء العرب اعتبارهم الشعر العربي الحديث حالة يُتم؟
أعتقد أنَ حظنا في النقد أفضل من الجيل الجديد. ما يُنشَر من كتابات في راهن التجربة الشعرية يقصُر عن طرح رؤى نقدية، توازي التجربة الجديدة وتحاورها. لذا سوف نصادف التعثر الملحوظ في العديد من التجارب الجديدة، لغلبة كتابات المجاملة حدّ القصور الأدبي فنيا. في الوقت نفسه ليس ثمة ما يجعلني أُصادر حق الناقد في معالجة ما يراه، بالشكل الذي يراه، خصوصا أنني أظن أن الناقد، هو قارئٌ مميز يرغب في كتابة ما يشعر به إزاء النص، وتعدد القراءات للنص يفتح المزيد من الآفاق أمام القراء، وبهذا يصير للشعر الحديث الكثيرُ من الآباء وليس يتيما.
دروس الرفض
-
في كتابك "جوهرة المراصد"، قلت إنَ المحرر الأدبي رفض نشر قصيدتك المبكرة، "الأسطورة الصفراء"، واعتبرها تقليدا فاشلا لنزار قباني. كيف كان ذاك الحُكمُ عليك، وهل يُقيَّم الشاعر من تجربته الأولى أم هناك شعراء انقلبوا على أنفسهم؟
كان ذلك رئيس تحرير جريدة "الأضواء" في ستينات القرن الماضي. تعالي انظري الى رؤساء تحرير هذه الأيام، مزاعمهم كثيرة لكن أكثرهم لا يرقى الى المثقف العادي، وبعضهم يدخل في آلة الإعلام الرسمية. أمّا في خصوص التجربة الأولى، فسوف نصادف في تعثر، بعض تجارب الشعر الجديد، ما يشي باختلاف حدّ الارتباك بين الكتاب الأول والكتب التالية، لذا أشعر بضرورة الانتظار لاكتمال التجارب، وعدم التسرّع وارتجال المواقف تجاه التجارب الشعرية المبتدئة.
-
إذاً، أنت تنتقد محرري الشعر اليوم بوصفهم متساهلين مع الشعراء الجدد، وهل ذاك التشدد هو الذي ساهمَ في خلقِ مشهدٍ شعريٍ غني؟
لا أتهمُ أحدا، من تجربتي صادفتُ مَن يستهين بالكتابة الأدبية، ويتساهل في إدراك خطورة اللغة بالنسبة إلى مُمارِس كتابة الأدب. فسوف أعرف اهتمام الكاتب بلغته منذ أول صفحة. لستُ متشدّدا ولا أدعو إلى ذلك، أميلُ إلى الاعتناء الكبير باللغة عند الأديب، من الطبيعي أن نخطئ، لكن علينا الاهتمام بتجويد لغتنا.
-
يقول إدوارد سعيد: "إنَ كلَ أصل له أصلٌ سابقٌ عليه"، هل تنطبق هذه المقولة على الشعر في نظرك؟
هذا ما أعنيه تماما، فالعناية بالتراث لا تعني الخضوع له كحكم قيمة. اللغة من بين الأصول التي تكمن في التراث، ينبغي العناية بأصولنا، وكما أنَنا نعتني بالغني فيها، فسيكون علينا أن نصوغ أصولا جيدة لمن يأتي لاحقا.
تهديد اللغة
-
إذن، هل فعلا تتم اليوم العناية بها وصوغ أصول جديدة، وهل ترى شيئا يمكن أن يشكل تهديدا للغة؟
الشاعر لا يشكل تهديدا للغة، الشعراء أكثر المساهمين في صياغة البنى اللغوية. علينا اكتشاف اللغة وتوسعة القواميس من نصوص الشعراء. ما يثيرني الاستهانة باللغة لدى بعض التجارب الجديدة، علينا قبول الأخطاء كاحتمال وارد، ونتفهم الأمر، لكن هذا لا يعني تهاوننا في أمر عدم الاكتراث باللغة.