"العالم يتغير، أما الجينز فلا" (جان بودريار)
لا شكّ أن معظمنا ما زال إلى اليوم يقف مشدوها أمام من يحمل سروال الجينز ممزقا مرتقا عليه مختلف أشكال الرّقع التي لا تخشى الظهور، خصوصا إن كان على علم بما قد يبلغه سعره، وبالأماكن الفاخرة التي يباع فيها. الغريب أن هذه الصفات لا تجتمع إلا في هذا اللباس دون غيره. إذ قلما يحصل أن نصادف أنواعا أخرى من الملابس التي يجرؤ حاملوها على أن يلبسوها بهذه الصفات. فما السرّ في ذلك؟ وما الذي يميّز الجينز عن غيره من الألبسة؟
يرد البعض الأمر إلى ما عرفه الجينز من تطور خلال ما يقرب من قرنين، إذ لهذا السروال حكاية جعلت أحدهم يدوّن: "تاريخ الجينز صورة عن تاريخنا المعاصر". وبالفعل، فقد واكب هذا اللباس مختلف التحوّلات التي عرفناها، وصاحب، واقعا وخيالا، بناء كل مرحلة من المراحل التي قطعها الغرب خلال القرنين السالفين: البحث عن الذهب، أفلام رعاة البقر في هوليود، الحرب العالمية الثانية، إلى أن صار رمز كثير من الحركات والجماعات من حليقي الرؤوس حتى مغني الراب.
شراكة
يعود ابتداع هذا السروال إلى شراكة بين موريس ليفي سترواس ويعقوب دافيس. كان ليفي-ستراوس قد هجر ألمانيا سنة 1851 إلى أمريكا ليصبح على رأس شركة لتسويق الثياب. ومن بينها ثوب قطني كان يستعمله ملاحو مدينة جنوة الإيطالية. كان يعقوب دافيس أحد زبائن ليفي-ستراوس، فخطرت له فكرة خياطة سراويل من هذه الثوب. وقد لقيت إقبالا جعل الخياط يطلب من صاحب الثوب أن يسجلا المنتوج في اسمهما سنة 1873. وبما أن الثوب مستورد من مدينة جنوة الإيطالية التي اشتهرت بصناعة الثوب القطني الذي كان يصنع منه السروال، فقد حمل المنتوج اسم الـ Blue jeans، فهو إذن أزرق جنوة. وقد شاع في البداية عند مختلف العمال اليدويين، ورعاة البقر الأميركيين، فارتبط بالعمل اليدوي وقساوة العيش، لسهولة اقتنائه، ولِما يتمتّع به من قدرة على التحمّل والمقاومة، فكان رمزا للروح الشعبية التي تسودها المساواة.