بينما تُغطي الاحتفالات العارمة جميع نواحي الحياة العامة في تركيا، بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، يغيب أكراد تركيا تماما عن المشهد، على الرغم من الثقل الديموغرافي والجغرافي الذي يشكلونه، ومساهمتهم الأساسية في الاقتصاد والحياة الوطنية، وقبلها مشاركتهم الجوهرية في حرب الاستقلال الطويلة (1918-1923)، التي خاضتها المجتمعات والقوى السياسية والحركات المسلحة في تركيا، بغية تأسيس هذه الدولة، عقب انهيار السلطنة العثمانية واستسلامها غير المشروط بعد نهاية الحرب العالمية الأولى (هدنة "مودروس" 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918).
وكرد فعل على ذلك، وفي ظلال غياب أي أفق لحل المسألة الكردية في البلاد، ومع زيادة وتيرة العنف والحرب التي يخوضها الجيش والأجهزة الأمنية التركية ضد مقاتلي "حزب العمال الكردستاني"، وباقي التنظيمات المسلحة والسياسية الكردية في البلاد، فإن أصواتا سياسية وثقافية وبرلمانية وأكاديمية واجتماعية كردية شتى صارت ترتفع في الآونة الأخيرة، مطالبة بالعودة إلى دستور عام 1921، الذي أقرته الجمعية الوطنية التركية وقتئذ، وكان مصطفى كمال أتاتورك يترأسها، زعيما سياسيا وقائدا عسكريا بلا منازع، ومؤسسا لهذه الدولة التركية. فذلك الدستور، حسب هذه الأصوات الكردية، وحده القادر على إيجاد حلحلة ما للمسألة الكردية في تركيا.
وحسب الأوساط الكردية، فإن ذلك الدستور ومناقشته ومحاولة إعادة إحيائه، كان ولا يزال واحدا من الخطوط الحمراء الأكثر حظرا وثباتا في عمر الجمهورية التركية الحديثة، على الرغم من أن مصطفى كمال أتاتورك نفسه قد هندسه، بكل ما يحمله الرجل من مكانة مقدسة في الذات الجمعية للأتراك. يجري ذلك حذرا مما يتضمنه الدستور من إشارة واضحة إلى الحق في الحُكم الذاتي المناطقي، بما في ذلك التحكم في شؤون التربية والتعليم واللغة وإدارة الموارد، ومعه التأكيد على التنوع العرقي والهوياتي والقومي لتركيا كدولة حديثة، وليست دولة للقوميين الأتراك فحسب.