الأردن – سوريا... حرب مخدرات أم تأثيرات إيرانية؟https://www.majalla.com/node/307286/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%E2%80%93-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D8%AE%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%D8%9F
تصاعدت وتيرة محاولات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن في الآونة الأخيرة رغم المبادرة الأردنية للحل السلمي في سوريا التي أطلقتها عمّان منتصف العام الحالي، والتي اشترطت من بين شروط أخرى بذل الحكومة السورية جهودا لوقف تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، وذلك مقابل استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.
الاشتباك بين الجيش الأردني ومهربي المخدرات في 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي كان الأكبر من نوعه، إذ استمر تبادل إطلاق النيران نحو 14 ساعة أصيب خلالها جنود أردنيون، بينما تمكن الجيش الأردني من اعتقال تسعة مهربين غالبيتهم من مناطق ريف السويداء.
عقب ذلك الاشتباك وبناء على معلومات استخباراتية داهمت قوات الأمن الأردنية الجمعة الماضي مكانا كان قد اختبأ فيه مهربون، وأسفرت تلك العملية عن مقتل أحد المهربين من جنسية عربية كان قد تسلل إلى الأردن عبر الحدود بطريقة غير شرعية، وذلك حسب بيان للأمن العام الأردني.
وحسب البيان، فقد أُلقي القبض على ثلاثة أشخاص، فيما أُصيب رابع خلال الاشتباكات، ما أدى إلى مقتله.
وأعلنت السلطات الأردنية، الاثنين 18 ديسمبر/كانون الأول، عن إحباط عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات، إذ قدرت المضبوطات بخمسة ملايين حبة كبتاغون، وأكثر من 12 ألف كف حشيش.
المشهد في جنوب سوريا معقد في ظل وجود مصالح إقليمية لخلق نقاط ساخنة جديدة في المنطقة
ورأى النائب الأردني صالح العرموطي، في حديث إلى "المجلة"، أنّ الاشتباك الأخير على الحدود الأردنية السورية، "عمل منظم تقوم به جهات مشبوهة تحولت من تهريب المخدرات إلى الأسلحة والصواريخ، وهي بذلك تهدد أمن الأردن".
وحمّل الحكومة السورية المسؤولية، إذ "كان عليها منع شبكات التهريب، كشرط من شروط عودتها إلى الحظيرة العربية".
وسأل العرموطي: "هل من المعقول أن ترتكب هذه الأمور انطلاقا من الأراضي السورية؟ هذا أمر مقلق يستهدف الأردن ولا يجوز السكوت عليه"، مطالبا الحكومة الأردنية بـ"اتخاذ قرار دبلوماسي ضدّ النظام السوري الذي يغطي مهربي المخدرات".
وكان التلفزيون الأردني قد أشار إلى أن الحرب على المخدرات تحولت إلى الداخل السوري، إذ نفذت طائرات أردنية الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري هجمات في ريف السويداء السورية، استهدفت منزلا لأحد تجار المخدرات، وكانت طائرات أردنية قد قصفت مصنعا للمخدرات داخل الأراضي السورية في مايو/أيار الماضي، ما أدى إلى مقتل أشهر مهرب للمخدرات في المنطقة ويدعى مرعي الرميثان، لكن في المرتين لم يعلن الأردن رسميا عن ذلك.
بينما نقلت مصادر سورية لـ"المجلة" أن "القصف الجوي على مدينة صلخد استهدف منزل فيصل السعدي المرتبط بتهريب المخدرات بالتعاون مع ميليشيا حزب الله، والذي لا يزال مصيره مجهولا".
وينظر البعض بحذر شديد إلى خلفية الجهات الداعمة للمهربين، إذ إن هناك مخاوف من محاولات إيرانية للتأثير على الوضع الداخلي في الأردن، إما من خلال استخدام الأراضي الأردنية للقيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل وإما بالاعتداء على جهات أجنبية وبالأخص أميركية تعمل في الأردن.
وعلى الرغم من ضعف إمكانية زعزعة الأمن الداخلي الأردني، إلا أن القوات المسلحة الأردنية تعمل ليل نهار لمنع أي محاولات لإدخال عناصر عسكرية أو أسلحة إلى الأراضي الأردنية ناهيك بتهريب المخدرات عبر الحدود.
ويرى الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة في حديث لـ"المجلة"، أن "المشهد في جنوب سوريا معقد لوجود أطراف عدة في المنطقة، بالإضافة إلى تجذر شبكات تهريب المخدرات هناك منذ سنوات، في ظل وجود مصالح إقليمية لخلق نقاط ساخنة جديدة في المنطقة وضرب مصالح دول معينة".
منذ بداية 2023 اسقط الجيش الأردني 9 طائرات مسيرة قادمة من الجنوب السوري ومحملة بالمخدرات
ويقول: "من الصعب على دمشق أن تضبط الأوضاع في تلك المنطقة نظرا إلى تعدد اللاعبين فيها، لذلك يعوّل الأردن على فكرة حفظ أمن حدوده بنفسه من خلال إرسال رسائل واضحة باستهداف منابع الخطر الآتي من سوريا وتجفيفها ورفع كلفة من تسول له نفسه مهاجمة الحدود الأردنية".
واللاعبون الذين أشار إليهم السبايلة هم ميليشيا "حزب الله" وشركاؤها في سوريا، والحكومة السورية، والقوات الإيرانية، وبدرجة أقل القوات الروسية، ومن الجانب الآخر للحدود هناك بالطبع الجيش العربي للمملكة الأردنية الهاشمية.
رسالة عسكرية
ويلفت السبايلة إلى أن "الرسالة الأهم من الطرف الأردني هي رسالة عسكرية وليست سياسية من خلال الرد العسكري القوي على مصادر التهديد، في وقت تتوسع فيه الحرب بالمنطقة في ظل الحشد الدولي في البحر الأحمر لمواجهة الحوثيين".
من جهته، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، إن جيش بلاده استخدم جميع الإمكانات والقدرات والموارد، لمنع عمليات التسلل والتهريب والتصدي لها بقوة، للحفاظ على أمن الوطن واستقراره وسلامة مواطنيه.
وأضاف خلال اطلاعه على مجريات العملية في المنطقة العسكرية الشرقية مساء الاثنين 18 ديسمبر/كانون الأول أن القوات المسلحة الأردنية مستمرة وماضية في منع هذه العمليات ومواجهة جميع أشكال التهديد على الواجهات الحدودية، وملاحقة المجموعات المسلحة التي تقف وراءها.
بدوره يدعو الخبير العسكري الأردني العميد المتقاعد أيمن الروسان في حديث لـ"المجلة"، إلى "رفع التنسيق بين دول المنطقة لتعزيز التعاون البيني"، مؤكدا "ارتفاع وتيرة عمليات التهريب عبر الحدود السورية الأردنية وتحوّلها إلى اشتباكات مسلحة بفعل محاولة المهربين اجتياز الحدود بالقوة، واشتمال الحمولة المهربة على أسلحة وصواريخ ناهيك بالمخدرات".
ويفسر الروسان هذا التحول بأن "هناك انفلاتا أمنيا في جنوب سوريا، بسبب تراخي الأجهزة الأمنية السورية، ما أتاح للميليشيات زيادة نشاطها واستخدام تقنيات حديثة مثل الطائرات المسيرة، وهو ما يشجع على زيادة التهريب كونها وسيلة آمنة".
وكان المهربون قد لجأوا إلى استخدام الطائرات المسيرة بعد تغيير الأردن لقواعد الاشتباك معهم منذ 17 مايو/أيار 2022، على خلفية مقتل جندي وإصابة آخرين في اشتباك مع مهربين. ومنذ بداية العام الحالي استطاع الجيش الأردني إسقاط نحو 9 طائرات مسيرة قادمة من الجنوب السوري ومحملة بالمخدرات.
ويرى الروسان أن "المخدرات لم تعد وحدها مهمة للمهربين، بل إنهم يخوضون ما يشبه الحرب بالوكالة عبر ميليشيات لتهريب السلاح أيضا واستنزاف حدود الكثير من الدول العربية وتدمير طاقتها البشرية من خلال إغراقها بالمخدرات".
الأسلحة التي تم العثور عليها مع المهرين قديمة ومستعملة ما يشير إلى أن هدفها ذاتي وليس نقلها إلى الأراضي الفلسطينية
ويعتبر الأردن من أكثر الدول التي تأثرت بالحرب في سوريا، إذ يرتبط البلدان بحدود مشتركة تمتد لأكثر من 375 كيلومترا، وتشهد هجمات متكررة على نقاط أردنية من قبل متطرفين، هذا فضلا عن تدفق اللاجئين السوريين عبرها (يوجد في الأردن مليون و300 ألف لاجئ سوري بحسب الأرقام الرسمية)، في وقت يتعثر فيه التبادل التجاري بين البلدين بينما ترتفع وتيرة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن.
أسلحة إلى فلسطين؟
يبقى السؤال الذي تصعب الإجابة عليه: ما الوجهة النهائية للسلاح المهرب إلى الأردن؟
لغاية الآن لا يبدو أن هناك حملة منهجية لتهريب السلاح إلى الأردن. صحيح أن الجيش الأردني ضبط أسلحة مع المهربين، ولكن ليس من المؤكد ما إذا كانت هذه الأسلحة لمهام التهريب أم إنها تُهرب إلى الأردن ومن خلاله إلى الأراضي الفلسطينية.
فصور الأسلحة التي تم العثور عليها مع المهرين تظهر أنها قديمة ومستعملة، ما يشير إلى أن هدفها ذاتي ولعمل المهربين وليس لنقلها إلى الأراضي الفلسطينية أو حتى إلى خلايا نائمة في الأردن قد يتم استخدامها فيما بعد. فنقل السلاح إلى الأراضي الفلسطينية يستوجب أن يكون هذا السلاح حديثا.
تعكس الأوضاع على الحدود الأردنية السورية مطلبا قديما جديدا، وهو ضرورة وجود علاقة متبادلة بين الأردن وسوريا. ولكن أي اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف في هذا الشأن يجب أن يكون مقرونا بتنفيذ الوعود وقدرة الجانب السوري على السيطرة على أراضيه وحدوده وأن تكون له الإرادة السياسية لتطبيق الاتفاقات المبرمة معه، وهو ما يبدو صعبا نتيجة عوامل سياسية ومالية؛ فالحكومة السورية اعتمدت على دعم "حزب الله" والإيرانيين والروس للبقاء، ما سيصعب عليه التنازل عن هؤلاء الحلفاء. أما من الناحية الاقتصادية فمن المؤكد أن تجارة المخدرات تمد الحكومة السورية ومعاونيها بالمال، ولذلك يتخلوا عنها إلا ربما في حال أمنوا مداخيل بديلة.