توازيا مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تصاعدت حدة العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال، وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن أعمال العنف خلفت 297 قتيلا، و4 آلاف جريح، وأكثر من 5 آلاف معتقل، حتى الساعة. يُضاف إليها اقتحام القرى والبلدات الفلسطينية وترويع سكانها.
وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ذريعة لتسليح وتدريب العدد الأكبر من المستوطنين، ودفعهم لارتكاب العنف ضد الفلسطينيين، ويندرج ضمن هذا الإطار الأمر الذي أصدره وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بعد أسبوع من هجوم "حماس"، والذي قضى بتوزيع آلاف القطع من الأسلحة على المستوطنين "دفاعا عن النفس"، مما شكل عاملا مباشرا في ارتفاع نسبة الاعتداءات وسقوط هذا العدد من القتلى والجرحى، الأمر الذي استدعى وزارة الخارجية الأميركية، لاحقا، أن تعلن قيودا على تأشيرات المستوطنين المتورطين في العنف، وتبعتها الخارجية الفرنسية.
ويبدو أن القرار الأميركي استفز الجانب الإسرائيلي بشدة، فادعت الشرطة الإسرائيلية في تقارير لها أن عنف المستوطنين انخفض بنسبة 50 في المئة بين شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأن غالبية سكان المستوطنات مسالمون، وهناك أقلية صغيرة فقط، تمارس العنف، دافعها في معظم الحالات، العرب الذين يقومون بالاستفزاز.
إضافة إلى ذلك، نشرت الصحافة العبرية تقارير تفيد بأن الفلسطينيين نفذوا منذ بداية العام، مئات الهجمات "الإرهابية" ضد المستوطنين والجنود، كرشق الحجارة وإحراق إطارات السيارات على الطرقات. وأكدت أن الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية عن عنف المستوطنين مضللة، وغرضها تحويل انتباه المجتمع الدولي عما اقترفته "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
عملت إسرائيل على عسكرة المستوطنات، من الخارج كما الداخل، فقد بنت معظمها على قمم التلال المطلة على البلدات الفلسطينية، وفوق أراضٍ فلسطينية مسروقة بالطبع
تقع مستوطنات الضفة ضمن "مناطق الأولوية الوطنية"؛ كذلك المستوطنات الحدودية مع غزة ولبنان، وبسبب ظروفها الأمنية الحساسة تبالغ إسرائيل برعاية سكانها، وتمنحهم تخفيضات وقروضا مالية ميسرة لشراء المنازل أو بنائها، ودفعات نقدية لدعم مشاريعهم الإنتاجية الصغيرة، علاوة على ذلك، يتمتع المستوطنون بشكل عام بحصانة كاملة من الملاحقة القضائية على خلفية عنفهم ضد الفلسطينيين، ويتم التحقيق في أقل من واحد في المئة من الشكاوى الفلسطينية المقدمة، ولا يوجد أي خبر عن إدانة جندي أو مستوطن في حادثة قتل متعمد أو اعتداء، فطبقا لقانون "إطلاق النار" الإسرائيلي، عندما يجد رجل الأمن أو الجندي أو المستوطن الإسرائيلي، أنه يواجه خطرا من قبل فلسطيني، يمكنه إطلاق النار عليه مباشرة.
وعدا تحويل المستوطنين إلى قوة قتالية، عملت إسرائيل على عسكرة المستوطنات، من الخارج كما الداخل، فقد بنت معظمها على قمم التلال المطلة على البلدات الفلسطينية، وفوق أراضٍ فلسطينية مسروقة بالطبع، ونشرت على مداخلها قوات أمنية خاصة، إضافة إلى حراس من سكانها المسلحين، مما جعلها أشبه بالقلاع الحربية المحصنة التي يكاد يكون الوصول أو الدخول إليها مستحيلا، ومن خلال دراسة خرائطها، يبدو أن بناءها جاء ضمن هذه الشروط، لتحقيق هدفين:
أولا: التفوق الاستراتيجي والديموغرافي على الفلسطينيين.
ثانيا: قطع التواصل البشري والجغرافي بين المناطق الفلسطينية.
ويساهم المستوطنون في تحقيق هذين الهدفين، إما ككتلة بشرية، وإما كجماعات مؤدلجة، انسجاما مع توزعهم على فئات ثلاث:
الفئة الأولى: اليهود السافارد (الشرقيون) الفقراء وبعض الطبقة المتوسطة، الذين هاجروا إلى إسرائيل ليس بدافع معتقداتهم الدينية، فحسب، لكن طمعا في الحوافز المالية، التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية، واختاروا الضفة حيث يمكنهم شراء منازل واسعة وبأسعار زهيدة، والتمتع بمستوى معيشي غير مكلف، مقارنة بالمدن الأخرى مثل تل أبيب.
الفئة الثانية: اليهود الحريديم، الفرع الأكثر أصولية من اليهود الأرثوذكس، الذين كانوا يرفضون في الماضي العيش في المستوطنات، ولكنهم تراجعوا مؤخرا عن موقفهم وانضموا إليها، مشترطين أن تكون مستوطناتهم أرثوذكسية بالكامل، ولأنهم يقدسون فكرة الإنجاب، فإن مستوطناتهم هي الأضخم والأكثر اكتظاظا.
استغل الليكود كحزب حاكم، الحرب الدائرة في غزة، فوافقت الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خطة لجنة التخطيط في بلدية القدس، لبناء مستوطنة تضم 1738 وحدة سكنية
الفئة الثالثة: الصهاينة المتدينون، وهم الفئة الأكثر خطورة، ذلك أنهم رعاة فكرة العنف ضد الفلسطينيين، وهم يعتبرون الضفة جزءا من أرض إسرائيل التاريخية، وقد هاجروا إليها ليس من أجل المال والمصلحة الخاصة، إنما لأنها أرض الميعاد بحسب روايتهم الدينية، وهم يخططون لمزيد من التوسع الاستيطاني وطرد الفلسطينيين من البحر إلى النهر، ولديهم نفوذ عميق في الحكومة.
واقع الحال أن المستوطنين يعيشون أكثر أيامهم ازدهارا، بسبب سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة، على الحكومات المتعاقبة، ذلك أنها تؤمن لهم فائضا من الدعم السياسي والمالي والعسكري ضمنا، ولها الفضل في التناغم الحاصل بين الحكومة الحالية والفئة الأخيرة منهم بشكل خاص، حيث تُظهر اهتماما خاصا بتزخيم حركة الاستيطان وتطوير المستوطنات. على سبيل المثال، فقد خصصت وزارة المالية، أثناء حرب غزة، ميزانية بقيمة مليار و300 مليون دولار، لتطوير المستوطنات والنظام التعليمي في المدارس الدينية.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أنه منذ سيطرة حزب الليكود على السلطة، حدث تحول كبير في استراتيجية بناء المستوطنات، فنبتت مستوطنات في قلب المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان أو على تخومها أو عند تقاطعاتها، وذلك بهدف إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، مفادها عدم استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين، وجعل فكرة إقامة دولة فلسطينية؛ مهمة صعبة التنفيذ بل مستحيلة.
واستكمالا، استغل الليكود كحزب حاكم، الحرب الدائرة في غزة، فوافقت الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خطة لجنة التخطيط في بلدية القدس، لبناء مستوطنة تضم 1738 وحدة سكنية، تضاف إلى ما مجموعه 279 مستوطنة، بنتها إسرائيل في الضفة، ويعيش فيها نحو 700 ألف مستوطن، نصفهم على الأقل، يملك رخصة رسمية وحقا إلهيا بقتل الفلسطيني بالرصاص أو حرقه أو أسره أو تهجيره، بحجة الدفاع عن النفس.