لم ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "COP28" إلا من أجل التركيز على نقطة واحدة، هي تنظيف ما كان في مؤتمر "COP26" في غلاسكو الذي تنصلت فيه الدول الصناعية الكبرى من تأسيس صندوق الأخطار والاضرار التي ستواجهها الدول الفقيرة من عملية تحول الطاقة، وأيضا تفعيل ما جاء في مؤتمر "COP27" في شرم الشيخ الذي خرج بقرار تأسيس الصندوق الذي بقي دعمه وتمويله مؤجلين إلى "COP28".
السؤال هنا: هل انتهى موضوع الصندوق للتركيز على محاربة الوقود الأحفوري؟
لم يكن مؤتمر "COP28" سوى محطة، وإن كانت متقدمة في معالجة موضوع صندوق الأخطار والاضرار، إذ لم يتفق حتى الآن على آلية تمويل هذا الصندوق وطريقة توزيعه بشكل عادل، ومراقبة المخرجات. هذه النقاط ربما تشكل مَحاور لمؤتمر "COP29"، علما أن دول أوروبا الشرقية دعمت أذربيجان لتكون البلد المضيف للمؤتمر المقبل.
أما في خصوص الأصوات التي نادت بالتخلص التام من الوقود الأحفوري، فقد تعودنا على مثل هذا الضجيج منذ المؤتمرات الأولى لتغير المناخ، وهي تشبه الاصوات التي كانت تؤكد فشل "منظمة أوبك" منذ نشأتها في مطلع ستينات القرن الماضي، لكن المنظمة لا تزال قائمة بل تعدت مرحلة شكلها التقليدي وصولا إلى "أوبك بلس".
لم يكن مؤتمر "كوب 28" سوى محطة، وإن كانت متقدمة في معالجة موضوع صندوق الأخطار والاضرار، إذ لم يتفق حتى الآن على آلية تمويل هذا الصندوق
لا بدّ عند الحديث عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) الذي يدعو الى الانتقال بعيدا من الوقود الأحفوري، من التوقف عند ما قاله وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بعد ختام أعمال المؤتمر: "لماذا يحصرون الجميع في الخيارات المناسبة لهم؟ "دُفن موضوع التخلص الفوري أو التدريجي من الوقود الأحفوري"، ودُفنت المنهجية الفرعونية، لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد". وفي مسألة وأهمية محاربة "فقر الطاقة" (Energy Poverty) كيف يفرض على دولة تفتقر الى الطاقة أن تبني مفاعلات نووية لانتاج الطاقة".
لقد عرّف المنتدى الاقتصادي العالمي "فقر الطاقة" بأنه عدم القدرة على الوصول إلى خدمات ومنتجات الطاقة الحديثة المستدامة. تركّز المملكة العربية السعودية على أهمية إيجاد حلول واقعية للعمل على مكافحة "فقر الطاقة"، وهذا النهج لا نسمعه من الدول الصناعية الكبرى، وخصوصا تلك التي تحارب الوقود الأحفوري. مصطلح "فقر الطاقة" يعني النقص في الوصول إلى مصادر الطاقة الكافية والميسورة التكلفة والموثوق بجودتها والآمنة لدعم التنمية. عدم كفاية الطاقة يعني استحالة تنمية الزراعة والتصنيع، تاليا إبقاء الدول الأكثر فقراً محاصرة في حلقة مفرغة، مما يساهم في سوء التغذية، والظروف المعيشية غير الصحية، ومحدودية الوصول إلى التعليم والعمل.
تركّز السعودية على أهمية مكافحة "فقر الطاقة"، وهذا النهج لا نسمعه من الدول الصناعية الكبرى، عدم كفاية الطاقة يعني استحالة تنمية الزراعة والصناعة، تاليا إبقاء الدول الأكثر فقراً محاصرة في حلقة مفرغة من الفقر والجوع
يتطلب التخلص من الوقود الأحفوري تفكيراً مرناً وليس نهجاً واحداً يفترض أنه يناسب الجميع، والهدف هو تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة واحتياجات كل اقتصاد، في حين أن توحيد الهدف يجب أن يتركز على خفض الانبعاثات وليس القضاء على الوقود الأحفوري. كما أن للدول حق اختيار المنهجية التي تتناسب مع قدراتها ومصالحها، وهذا نهج واقعي لأن لكل دولة ظروفها الخاصة، وما يصلح لدولة قد لا يصلح لأخرى. وهذا واقع الاقتصادي بالتركيز على التحكم بالكربون عوض التركيز على محاربة النفط والغاز، وخصوصا أن الطلب العالمي على النفط ينمو سنوياً بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا ليصل إلى 116 مليون برميل يوميا في عام 2045، مدفوعا بالنمو السكاني، خصوصا في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. الحل إذاً، لا يكمن في التوقف عن استخدام الموارد الهيدروكربونية بل من خلال تطبيق استراتيجيات وتقنيات تدوير الكربون. بذلك تقدم المملكة العربية السعودية منهجا عالميا للسياسات الدولية في ما يتعلق بجميع الاقتصادات بما فيها النامية.
الطلب العالمي على النفط ينمو سنوياً بنحو 3 ملايين برميل يوميا ليصل إلى 116 مليون برميل يوميا في عام 2045، مدفوعا بالنمو السكاني، خصوصا في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا
وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان ذكر في أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي عقد في الرياض في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن الرياض لن تعد إلا بالالتزامات التي يمكنها الوفاء بها: "نعتقد أنه يمكننا تحقيق ذلك في حلول عام 2060 أو قبل ذلك، ولهذا السبب أوضحنا في اتفاقية باريس مع الجميع أن لدينا خط أساس وأن خط الأساس هذا سيحدد كيف يمكننا التقدم مع تنوعنا الاقتصادي".
وفي تصريح آخر ذكر وزير الطاقة السعودي أن المملكة ستوفر الطاقة المستدامة للشركات بسعر تنافسي، بينما يتم خفض كبير للتكاليف في عملية إنتاج واستخراج وتوزيع ونقل الطاقة بكل أنواعها مع تقليل التكلفة.
السعودية من أكبر مصدّري النفط في العالم والأعلى موثوقية، واستضافت الرياض مؤتمرات دولية كان التحول إلى مستقبل مستدام للطاقة أحد أهم المحاور الأساسية فيها، إن لم يكن هو المحور الأساسي، منها في في أكتوبر الماضي: أسبوع المناخ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منتدى الاستثمار السعودي الأوروبي، منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" ومعرض الطاقة الشمسية.
كما استضافت أهم المحافل الدولية المؤثرة في مستقبل "تحول الطاقة"، وتعمل بفاعلية وباستباقية نحو تسريع مستقبل الطاقة المستدامة في السعودية، حيث تركز على تحول رائد في نموذج إنتاج الطاقة لديها، وتوليد 50 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء من مزيج الطاقة المتجددة، والتركيز على الهيدروجين، والاستفادة من تكنولوجيا الطاقة الرقمية، وتتبنى تقنيات مبتكرة ومنخفضة الكربون من مصادر الطاقة المتنوعة مع الهدف الطويل المدى المتمثل في تصميم البنى التحتية للطاقة المستدامة.
الرياض لن تعد إلا بالالتزامات التي يمكنها الوفاء بها. تركز على تحول رائد في إنتاج الطاقة، وتوليد 50% من احتياجاتها من الكهرباء من مزيج الطاقة المتجددة، والتركيز على الهيدروجين
وتتطلع المملكة إلى تطوير البنى التحتية للطاقة ذات المستوى العالمي وحلول الطاقة النظيفة بسرعة، حيث اصبحت السعودية محور التحول الاقتصادي في العالم ونموذجه ليس فقط في إنتاج النفط وتصديره بأعلى موثوقية، بل ايضا في مشاريع قطاع الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المبتكرة والهيدروجين. هذا كله هو الذي يدفع إلى النمو وزيادة الفرص.