السينما العربية.. خطوات ورؤى
تقدّمت أكثر من دولة عربية هذا العام بترشيحات لجوائز الأوسكار لم يصل منها إلى الترشيحات النهائية سوى فيلمين هما "بنات ألفة" لكوثر بن هنية من تونس و"كذب أبيض" لأسماء المدير من المغرب، ويتنافسان ضمن فئة أفضل فيلم وثائقي. تراوح الفيلمان بين الوثائقي والدرامي وتباينا في الرؤية والتناول، حيث تتبعت هنية في فيلمها حادثة شهير لاختفاء بنات أم تونسية، في ما ذهبت المدير للكشف عن تاريخ عائلتها مازجة بين الخاص والعام.
منذ الانطلاقة النهضوية للسينما في المملكة العربية السعودية، لا شك أنها تخطو عاما بعد عام خطوة جديدة تمثل إضافة إلى رصيدها الوليد خصوصا في ما يخص الصناعة وسوق السينما، أما على الجانب الفني من إخراج وتأليف وتصوير وتمثيل، فمن الواضح أن المحاولات المقدمة حتى الآن لا تزال في طور التكوين والبحث عن سمات وأساليب خاصة، ولا يمنع ذلك من ظهور بعض الأصوات المميزة من وقت لآخر مثل حال فيلم "ناقة" أحدث ما عرض من الإنتاج السعودي في 2023، ولا شك أنه فيلم مغاير من حيث الرؤية والطرح وربما كان من المدهش أن يكون المخرج مشعل الجاسر شاب لم يبلغ الثلاثين بعد. ثمة دهشة أخرى كانت من نصيب موضوع الفيلم وهو نسوى بامتياز.
استطاع المخرج توريط المشاهد منذ المشهد الافتتاحي للفيلم، الذي يبدأ عام (1975)، وفيه نتابع أحد الأشخاص أثناء اقتحامه لمستشفى حاملا سلاحا، بينما إحدى النساء تضع مولودها ويتضح من حوار الطبيب أن ذلك المستشفى مخصص للرجال ثم نتبين أن الرجل المسلح هو زوج المرأة وحين يقتحم غرفة الولادة يفرغ طلقاته في الطبيب، لأنه كشف عورته وحرمة بيته عن طريق الزوجة، وما يزيد الطين بلة هو المولود الجديد الذي كان طفلة ستحمل على عاتقها إرث النساء حتى تصل إلى وقتنا الحالي، بداية سير الأحداث مع الطفلة وقد تخطت الأربعين من عمرها.
سجلت السينما السودانية أيضا هذا العام حضورا بارزا بفيلم "وداعا جوليا" تأليف وإخراج محمد كردفاني، وهو أول فيلم سوداني يُعرض في "مهرجان كان السينمائي". ويتناول أزمة انقسام السودان من خلال قصة إنسانية تجمع بين امرأتين تمثلان الجلاد والضحية في الوقت نفسه، حصل الفيلم أخيرا على جائزة مهرجان الجونة السينمائي في مصر خلال دورته السادسة، ويعتبر خطوة جديدة في تاريخ السينما السودانية وهي سينما ذات نكهة مميزة سواء على مستوى الصورة أو المواضيع، لذلك فهي من أكثر الموضوعات تعبيرا عن القارة الأفريقية وزخمها الهائل.
السينما المصرية
من جديد، تُسجل السينما المصرية إيرادات غير مسبوقة في تاريخ شباك التذاكر بفيلم "بيت الروبي" لبيتر ميمي، الذي انتزع اللقب من فيلم "كيرة والجن" لمروان حامد، لكريم عبد العزيز الذي كان متصدرا في العام الماضي. ومن جديد أيضا يُعاود القطاع السينمائي في مصر وضع خطته السينمائية لهذا العام على نسق الأعوام الماضية، والتي ربما تمتد لما يزيد عن عقد لم تأتِ فيه السينما المصرية سوى بأفلام الخلطات المجربة إلا في ما ندر، وهي خلطات تعتمد في أساسها على "التهريج" وليس الكوميديا كفن، حتى إنه يمكن إطلاق مصطلح "الهزلية الجديدة" على هذه الموجة على غرار "الواقعية الجديدة" التي كانت في يوم ما، والفارق بينهما شتان بالطبع.
اقتصرت مشاركة نجوم الصف الأول على نجمين آخرين، بالإضافة إلى كريم عبد العزيز هما محمد هنيدي ومحمد رمضان، فأما الأول فقد عاود إخفاقاته المتتالية من جديد بفيلم "مرعى البريمو" رغم ما سبقه من بروباغندا واعتذار بطله عن تراجع أفلامه الأخيرة. في ما اشترك "رمضان" بفيلمين هما "هارلي" لمحمد سمير و "ع الزيرو" لمحمد جمال العدل، وفي كلتا الحالتين لم تختلف الشخصيتان أو الأداء عما قدمه رمضان سابقا، وإن اصطبغ أداء البطل بشخصية "جعفر العمدة" التي عرضت ضمن الموسم الرمضاني ونالت جماهيرية.
في التقسيم التالي من الموسم السينمائي نجد ثلاثة أفلام اشتركت على استحياء، لما تقدمه من مغايرة –ولو ضعيفة- عما هو سائد ومعتاد: "وش في وش" لوليد الحلفاوي، و"ب 19" لأحمد عبد الله، وفيلم "ڤوي. ڤوي! ڤوي!" أولى التجارب السينمائية لمخرج الإعلانات عمر هلال، وقد رشح من "نقابة المهن السينمائية" لتمثيل مصر للمنافسة على جائزة الأوسكار لكنه خرج من التصفيات النهائية. نلاحظ في هذه الأفلام الثلاثة عدة مشتركات أولها جمع مخرجيها بين التأليف والإخراج، كما أنها تقدم بطولات لنجوم الصف الثاني مثل محمد فراج وسيد رجب ومحمد ممدوح، وهو ما يتكرر مع أفلام أخرى مثل "يوم 13" لوائل عبد الله، وفيلم "ساعة إجابة" لمصطفى أبو سيف) ويتضمنان مساحة جديدة من البطولة المطلقة لكل من أحمد داود وشريف سلامة. يتشابه معهما فيلم "ابن الحاج أحمد" لمعتز التوني، البطولة المنفردة الأولى للممثل الكوميدي "شيكو"، وكان من الواضح في الأفلام الثلاثة حجم الصعوبة الشديدة في تحمل ثقل البطولة المطلقة.
وكما هي العادة، لم تخلُ الوجبة السينمائية المصرية من عدد كبير من الأفلام يمكن اعتبارها زائدة عن الحاجة نذكر منها "العميل صفر"، "اتنين للإيجار"، "بعد الشر"، "مغامرات كوكو" وفيلم بعنوان "لف وارجع تاني" والذي ربما يكون عنوانه بمثابة نداء موجّه إلى السينما المصرية في وضعها الراهن.