ضمن سلسلة "الأسئلة الفلسفية" صدر عن منشورات بيت الفلسفة في الإمارات كتاب "ما المنفعة" للدكتور علي عبدون، الذي يرصد بشكل مفصّل ومختصر إحدى أهم فلسفات التفكير الحديث (المذهب النفعي). يتطرّق الكتاب عبر فصوله المختصرة والواضحة إلى تاريخ فكرة المنفعة، منذ نشوئها بين طيّات المذاهب الفلسفية اليونانية، وصولا الى المذاهب الفلسفية لعصر الحداثة، ويحرص الكاتب من خلاله على تقديم الأجوبة التي تدلّنا مطولا على منابع الفكر المنفعي ومحاكماته الأخلاقية.
يتدرّج الكتاب ضمن تطوّرات المذهب النفعي، واضعا مشاكل المذهب في صدارة العرض وفي الصفحات الأولى، فانفصال القاعدة النفعية عن القاعدة الأخلاقية هو جوهر الكتاب ودلالته، إذ أن عرض أفكار مذاهب المنفعة يشكّل سؤالا مجاورا لسؤال الأخلاق. يطرح الكتاب في كلّ صفحة منه تساؤلا عن الدور الأخلاقي والمواجهة الأخلاقية لأفكار المذهب المتعاقبة والمتطوّرة.
من النشأة العسيرة إلى المذهب الواقعي
يأخذنا الكتاب إلى اليونان، فالنشأة من أرسطيقوس القورينائي 435 ق.م، وتصويره للنفس الإنسانية على أنها إما أن تبحث عن اللذة أو الألم. وصولا إلى أبيقور الذي جعل اللذة أساس السعادة اﻹنسانية وما يبحث عنه الفرد. لكن تطور الفلسفة في اتجاه مثالي أخلاقي، طوى مذهب النفعية لوقتٍ طويل، فكانت اللذة مشؤومة ودليلا على اﻷنانية والفردية. فُحرمت اللذة الفردية، وأي ذكر ﻷفكار نفعية، أمام سطوة المذاهب اﻷخلاقية الكبرى لليونان التي طغت على كل العصور اللاحقة.