تزايدت احتمالات تصاعد الصراع في غزة وتحولها إلى حرب إقليمية واسعة بشكل ملحوظ في أعقاب التهديد الصريح الذي أطلقته إسرائيل هذا الأسبوع بمهاجمة أهداف "حزب الله" في جنوب لبنان. لقد كان احتمال قيام ميليشيا "حزب الله" المدعومة من إيران بفتح جبهة ثانية على حدود إسرائيل قائما منذ أن شنت "حماس" هجومها المدمر في 7 تشرين الثاني / أكتوبر ضد الدولة اليهودية.
وبينما كان موقف قيادة "حزب الله" بشأن دعم "حماس" في حربها ضد إسرائيل، ضبابيا إلى حد كبير، في العلن على الأقل، فإن التصعيد الأخير في الهجمات القريبة من الحدود الشمالية لإسرائيل دفع الإسرائيليين إلى التهديد بشن عملية عسكرية لإزالة الخطر الذي تشكله البنية التحتية العسكرية لـ "حزب الله" في جنوب لبنان.
وهدد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد بيني غانتس، أحد الوزراء الإسرائيليين الثلاثة الذين يشكلون حكومة الحرب في البلاد، بزيادة العمل العسكري بشكل ملحوظ من قبل الجيش ضد الميليشيا، فيما بدا أوضح تحذير تصدره إسرائيل ضد قيادة "حزب الله" منذ اندلاع الصراع في غزة.
وقال غانتس في مؤتمر صحفي في وقت متأخر من يوم الأربعاء: "الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل يتطلب التغيير". وأضاف قائلاً: "إن الوقت المتاح للحل الدبلوماسي بدأ ينفذ،" مضيفا: "إذا لم يتحرك العالم والحكومة اللبنانية من أجل منع إطلاق النار على سكان شمال إسرائيل، وإبعاد حزب الله عن الحدود، فإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بذلك."
هدد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد بيني غانتس، أحد الوزراء الإسرائيليين الثلاثة الذين يشكلون حكومة الحرب في البلاد، بزيادة العمل العسكري بشكل ملحوظ من قبل الجيش ضد ميليشيا "حزب الله"
وتردد صدى تحذير غانتس في تصريحات الجنرال هرتسي هاليفي، رئيس الأركان العامة الإسرائيلي، الذي يشرف على هجوم الجيش الإسرائيلي المتواصل على غزة خلال الأسابيع الأحد عشر الماضية. وحذر هاليفي من أن وحدات الجيش الإسرائيلي في شمال إسرائيل في حال "جاهزية قصوى" لمواجهة تهديدات "حزب الله".
وأضاف: "تكمن مهمتنا الأولى في إعادة الأمن والشعور بالأمان إلى السكان في الشمال، وهذا سوف يستغرق وقتاً"، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي قد أجرى بالفعل "تقييماً للوضع" الأمني المتدهور.
وتأتي التحذيرات الإسرائيلية نتيجة للتصعيد الأخير في تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي. وقد اشتبك "حزب الله" مع إسرائيل في إطلاق نار شبه يومي عبر الحدود منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، حيث يُنظر إلى الهجمات على أنها تساعد في دعم "حماس"، المدعومة أيضاً من إيران.
وبينما أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله دعمه لـ "حماس" في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنه لم يصل إلى حد إعلان الحرب الكاملة ضد إسرائيل، وإن كرر تحذيره من أن الصراع ضد الإسرائيليين سيكون طويل الأمد وأن تحقيق النصر قد "يستغرق عدة سنين."
وعلى الرغم من ذلك، ومع تكثيف جيش الدفاع الإسرائيلي هجومه على البنية التحتية لـ "حماس" في غزة، كان هناك تصاعد ملحوظ في الاشتباكات بين إسرائيل و"حزب الله" على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، والتي بلغت ذروتها يوم الأربعاء مع قيام "حزب الله" بشن أكبر عدد من الهجمات عبر الحدود في يوم واحد منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب مصادر أمنية إسرائيلية.
بينما أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله دعمه لـ "حماس" في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنه لم يصل إلى حد إعلان الحرب الكاملة ضد إسرائيل
وقُتل أكثر من 100 شخص في لبنان منذ أكتوبر/ تشرين الأول، ولئن كانت غالبيتهم من مقاتلي "حزب الله" إلا أن بينهم أيضا عدد من المدنيين. وفي الاشتباكات الأخيرة، أبلغت السلطات اللبنانية عن وقوع أكثر من اثني عشر ضحية، من بينهم ثلاثة أشخاص قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان، بمن فيهم شقيقان لبنانيان يحملان الجنسية الأسترالية. حيث دفعت وفاتهما المسؤولين الأستراليين إلى إطلاق تحقيق في مزاعم إسرائيلية بأن أحد الأخوين كان عضواً في "حزب الله" بعد أن لُف علم الميليشيا على نعشي الأخوين في جنازتيهما.
ومن جانب آخر كان ثلاثة صحفيين لبنانيين قد قتلوا في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان منذ بداية الحرب، من بينهم مصور صحفي يعمل لدى وكالة رويترز للأنباء.
وفي واحدة من أكثر هجمات "حزب الله" جرأة، أعلنت الميليشيا مسؤوليتها يوم الأربعاء عن إطلاق وابل من الصواريخ على قاعدة بحرية إسرائيلية، حيث اعترضت إسرائيل ستة من أصل ثمانية عشر صاروخاً على الأقل، ولم يسجل وقوع أي أضرار.
حزب الله ميليشيا شيعية مدعومة من إيران، وقد صُنف كمنظمة إرهابية من قبل كل من الدول الغربية وإسرائيل ودول الخليج العربية والجامعة العربية، وهو أحد أكثر القوات العسكرية غير الحكومية تسليحا في العالم.
وفي الوقت نفسه، على الجانب الإسرائيلي، قُتل أربعة مدنيين وثمانية جنود، في حين أدى القتال عبر الحدود إلى قيام إسرائيل بإجلاء ما يقدر بنحو 80 ألف مدني من قطاع في الشمال يبلغ عرضه عدة كيلو مترات، ما نتج عنه تحول جزء كبير من المنطقة إلى مدن أشباح مهجورة.
ولا ريب في أن التوترات المتصاعدة على الحدود الشمالية لإسرائيل قد أثارت مخاوف من تطور صراع أوسع في الشرق الأوسط، والتي زادت بشكل كبير في الأيام الأخيرة بعد أن اتهمت طهران إسرائيل بتنفيذ غارة جوية أسفرت عن مقتل رضا موسوي، وهو جنرال إيراني كبير كان يعمل مستشارا لـ "الحرس الثوري الإيراني" في سوريا.
لقد غدت سوريا قاعدة مهمة لقوات "الحرس الثوري الإيراني" بعد أن لعبت طهران دورا رئيسياً في مساعدة نظام الأسد على النجاة من الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن في البلاد. وبغض النظر عن بناء شبكة واسعة من القواعد العسكرية في سوريا، تستخدم طهران البلاد بانتظام كنقطة عبور لشحن الأسلحة إلى حليفها "حزب الله" في جنوب لبنان.
هذا ويأتي تصاعد نشاط "حزب الله" في جنوب لبنان في وقت اتُهمت فيه ميليشيات موالية لإيران بمهاجمة قواعد أمريكية في العراق، مما دفع الجيش الأميركي إلى شن ضربات جوية أدانتها الحكومة العراقية. وفي الوقت نفسه، اتُهم المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران بمهاجمة الشحن الدولي في البحر الأحمر في محاولة متعمدة لتعطيل طرق التجارة العالمية.
لقد غدت سوريا قاعدة مهمة لقوات "الحرس الثوري الإيراني" بعد أن لعبت طهران دورا رئيسياً في مساعدة نظام الأسد على النجاة من الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن في البلاد.
وقد هددت إيران بالرد في أعقاب وفاة موسوي، ما دفع إسرائيل إلى تحذير طهران من التورط في تصعيد أوسع للصراع في غزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحذيراً صريحاً بأنه إذا شن "حزب الله" حرباً شاملة، فإن إسرائيل "سوف تحول بيروت ... إلى غزة".
وسواء كانت إسرائيل راغبة حقاً في فتح جبهة جديدة في شمال البلاد بينما تنخرط قواتها بشكل كامل في معركة مريرة مع "حماس" في غزة تبقى نقطة خاضعة للجدل. نذكّر أن آخر مرة خاضت فيها إسرائيل حرباً مع "حزب الله" كانت في عام 2006 عندما غزا الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، حيث باءت محاولاته لتدمير الميليشيا بالفشل في نهاية المطاف.
ولذلك يعتقد العديد من كبار قادة جيش الدفاع الإسرائيلي أن أعمالهم لم تنته بعد مع "حزب الله"، وسوف يسعون إلى استخدام أي تصعيد في الاشتباكات على الحدود الشمالية لإسرائيل كمبرر لشن هجوم جديد على الميليشيا المدعومة من إيران، مع كل ما قد يترتب على ذلك من آثار على استقرار الأمن على نطاق أوسع في الشرق الأوسط.