حين عُيِّن الشاب الفرنسي أندريه ميكيل ملحقا ثقافيا لبلده في القاهرة لم يكن يتوقّع أنّ العرب الذين كان قد بدأ الاهتمام بتاريخهم الثقافي سيزجون به في السجن (نوفمبر/تشرين الثاني 1961- أبريل/نيسان 1962) بتهمة الجاسوسية فيتلقى هناك التعذيب الجسدي والنفسي ابتداء من الصفعات والركلات وليس انتهاء بالتهديد بالإضرار بزوجته (جانين).
تجربة بدت قاسية تمنّى خلالها أن يقتلوه ليتخلّص من العذاب أو رحمة به، كما قال في كتابه "وجبة المساء: يوميات دبلوماسي فرنسي في سجن مصري" والذي ترجمته رشا صالح وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة (2015) بعد خمسة عقود من الأحداث المدوّنة فيه. وهي ترجمة أرادت منها المترجمة وربما المؤسسة الناشرة أن تكون "جزءا من لمسات جيل من المثقفين المصريين والعرب لم يكن قد ولد بعد في القاهرة حين عانى هو منها على أرضها أيّام هذه التجربة القاسية".
فإذا كان قد ردّت إليه بعض حقوقه القانونية، حسب قول رشا صالح "فإنّ ردّ الاعتبار الإنساني والأدبي الكامل إليه كان ما يزال في حاجة إلى بعض لمسات الاكتمال من أبناء الثقافة العربية التي عشقها".
ونفهم من كتابه "شرق حياتي" خلاصة القصّة أو الاتهام إذ يتضح كما يقول كاظم جهاد في كتابه عن أندريه ميكيل أن المخابرات المصرية التقطت "عبارة ينعت فيها أحد الدبلوماسيين الفرنسيين عبدالناصر بأنّه (حيوان سياسي)، ففُهمت بوصفها إساءة للرئيس المصري، وتخطيطا لمؤامرة عليه، مع أنّ العبارة المعنيّة شائعة في الفرنسية، وتعني أنّ المقصود بها منهمك في السياسة ومجبولٌ عليها".