في 18 ديسمبر/كانون الأول، اعترض الجيش الأردني عملية كبيرة لتهريب المخدرات من سوريا، في حدث سلط الضوء من جديد على التحدي المستمر على طول الحدود الصحراوية التي يبلغ طولها 375 كيلومترا. لقد شكّلت هذه المنطقة الحدودية المضطربة منذ أمد بعيد مرتعا لتجارة المخدرات بملايين الدولارات وسط فوضى الحرب الأهلية وبتواطؤ ملحوظ من النظام السوري.
ولكن الأحداث الأخيرة ليست كسابقاتها، لأنها تبدي تحولا مثيرا للقلق في أساليب التهريب، بما في ذلك زيادة وتيرة التهريب وتحسين مستوى التنسيق وتنوع الشحنات وتصاعد العنف. ولا تكتفي هذه التطورات المثيرة للقلق بزيادة التجارة غير المشروعة فحسب، بل تقدم فوق ذلك جملة جديدة تماما من التحديات الأمنية التي لا يستطيع الأردن أن يتجاهلها.
وفي الفترة الأخيرة، حدثت زيادة ملحوظة في عمليات التهريب المتجهة صوب الأردن، ففي أقل من أسبوع، اعترضت قوات الحدود الأردنية خمس محاولات من هذا القبيل. وقع أولها في 12 ديسمبر/كانون الأول، تلته ثلاث حوادث متتالية، آخرها في وقت متأخر من يوم الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول، ولم يفصل بين الحادث وأخيه سوى يوم واحد فقط.
ومع ذلك، فإن العدد الفعلي لمحاولات التهريب قد يكون أعلى مما تم الإبلاغ عنه، ووفق تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يجري عادة توقيف شحنة واحدة من بين كل ثلاث محاولات لتهريب المخدرات من الحدود السورية الأردنية. وتشير التقارير الأخيرة إلى حدوث نقلة في أساليب عمل المهربين، الذين باتوا ينسقون عمليات متزامنة ومرتبة عبر مساحة تتجاوز 100 كيلومتر، ما قد يزيد من معدل نجاحهم. وحتى مع أكثر التقارير تحفظا، يمكن تأكيد وقوع عملية إضافية واحدة على الأقل في ذلك الأسبوع، مما يشير إلى حوادث شبه يومية.
ومن المهم ملاحظة أن حجم هذه العمليات يختلف بشكل كبير. على سبيل المثال، في 14 ديسمبر/كانون الأول، اعترضت السلطات ما يقرب من نصف مليون حبة كبتاغون و1500 كيلوغرام من الحشيش، ولكن بعد أيام، في 18 ديسمبر/كانون الأول، جرت عملية مصادرة أكبر بكثير، شملت ما يقرب من 5 ملايين حبة كبتاغون و13 ألف كيلوغرام من الحشيش.
بعض شحنات التهريب التي تم اعتراضها مؤخرا كانت تحتوي على أسلحة. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول، صادرت القوات الأردنية بندقية قناصة، وبندقية "إم-16" وألغاما وصواريخ مضادة للدروع
وبعيدا عن الزيادة في وتيرة عمليات التهريب، فقد اتسمت محاولات التهريب الأخيرة بتصعيد مثير للقلق في أعمال العنف. وبحسب الجيش الأردني، تطورت هذه العمليات من مجرد محاولات تهريب كانت تتراجع عند اكتشافها إلى اشتباكات مسلحة مطولة وعنيفة مع قوات حرس الحدود أثناء محاولتها اختراق الحدود رغم المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها.
وقد أصبح هذا التحول واضحا في مناسبات متعددة. وقعت اشتباكات عنيفة بين المهربين وقوات الحدود الأردنية في 12 ديسمبر/كانون الأول، مما أدى إلى مقتل أحد الحراس وإصابة آخر بجروح خطيرة. ووقعت مواجهات عنيفة مماثلة في 18 ديسمبر/كانون الأول، استمرت لمدة 14 ساعة متتالية وأسفرت عن عدة إصابات طفيفة إلى متوسطة في صفوف قوات حرس الحدود الأردنية.
وكانت السلطات الأردنية قد كشفت لكاتب هذه السطور أن كثيرا من مهربي المخدرات المعتقلين كانوا هم أنفسهم تحت تأثير الكبتاغون، وهو عقار معروف بتعزيز الطاقة ورفع الإحساس بالشجاعة لدى مستخدميه. وكان هذا العامل سمة مشتركة في الحالات السابقة. ومع ذلك، فإن التطور الجديد والمثير للقلق هو زيادة التسلح بين هؤلاء المهربين. وفي الآونة الأخيرة، تبين أن عددا كبيرا منهم مدججون بالسلاح، ومجهزون بالذخيرة الكافية لمواجهات طويلة الأمد. ويشكل هذا التصعيد في التسلح عاملا رئيسا يساهم في زيادة العنف الموجه ضد قوات الحدود الأردنية.
علاوة على ذلك، فإن بعض شحنات التهريب التي تم اعتراضها مؤخرا كانت تحتوي على أسلحة. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول، صادرت القوات الأردنية بندقية قناصة وبندقية "إم-16" وألغاما وصواريخ مضادة للدروع، ودمرت مركبة تحمل ذخيرة ومتفجرات. كما تم الاستيلاء يوم 14 ديسمبر/كانون الأول على بندقية كلاشينكوف وكميات كبيرة من الذخيرة. وأشارت تقارير استخباراتية حديثة إلى أن المهربين نجحوا في إدخال شحنة كبيرة من الأسلحة إلى الأردن الأسبوع الماضي.
ومن الضروري التأكيد على أن تهريب الأسلحة من سوريا إلى الأردن لم يكن في الماضي يمثل مشكلة كبيرة. والخطر أنه حتى لو كانت بعض هذه الأسلحة مخصصة للاستخدام من قبل المهربين أثناء المعابر الحدودية، فلن تتم إعادتها إلى سوريا بعد انتهاء هذه العمليات.
رغم الجهود التي يبذلها الأردن لتعزيز أمن حدوده، إلا أن هذه التدابير لم تكن كافية لإيقاف أو تقليص عمليات تهريب المخدرات عبر أراضيه بشكل كبير
وبالتالي، فإن وجود هذه الأسلحة في الأردن يثير تساؤلات كبيرة حول الاستخدام المقصود لها واحتمال أن تسهم في تقويض الأمن الأردني. وسواء وقعت هذه الأسلحة في أيدي منظمات إجرامية أو جماعات إرهابية، فإن وجودها في الأردن يمثل خطرا أمنيا كبيرا.
وردا على هذه التطورات المثيرة للقلق، شنّ الجيش الأردني غارات جوية يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، استهدفت مواقع معينة داخل سوريا حددها الأردنيون باعتبارها الأماكن التي ينطلق منه المهربون في عمليات التهريب إلى المملكة. حاول أحدها استهداف منزل ناصر فيصل الساعدي في صلخد، وهو قائد ميليشيا معروف بتهريب المخدرات وعلاقاته مع جهاز الأمن العسكري وحزب الله والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد.
وطالت غارة أخرى منزل شاكر الشوير، المتورط أيضا في تهريب المخدرات والمرتبط بجهاز الأمن العسكري، في قرية أم شامة، مسببة أضرارا مادية. وأسفرت الغارات الجوية عن مقتل خمسة مدنيين، دون إصابة أي من تجار المخدرات المستهدفين حقيقة بأذى.
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الأردن لتعزيز أمن حدوده، إلا أن هذه التدابير لم تكن كافية لإيقاف أو تقليص عمليات تهريب المخدرات عبر أراضيه بشكل كبير. والحال أن إيقاف هذه الأنشطة بشكل فعال يتطلب اتباع نهج تعاوني يتجاوز الجهود الوطنية. وهذا يستلزم الانخراط في شراكات إقليمية ودولية لخلق تدخلات شاملة مصممة لمعالجة المجموعة المعقدة من الديناميكيات والجهات الفاعلة المختلفة المشاركة في المراحل المختلفة من سلسلة توريد الأدوية.
وفي النهاية، لن تؤدي التدخلات المحدودة، مثل الضربات الجوية، على الأرجح إلى إحداث تغيير مستدام لأنها تركز على معالجة الأعراض بدلا من أنظمة الصراع الأوسع التي تزدهر فيها تجارة المخدرات.