حيفا- يستطيع المتتبع للمواقف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، أن يلاحظ قيام الدولة بصوغ وانتهاج عدة استراتيجيات سياسية- نفسية داخلية تجاه المجتمع اليهودي فيها، لجعله أكثر ترابطا والتصاقا بأهداف الدولة بشكل عام، والنظام السياسي وقياداته بشكل خاص.
وقد أدت المفاجأة الإسرائيلية، المتأتية من قوة ونجاح الهجوم العسكري لقوات "القسام" و"سرايا القدس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مع ما تخللها من استهداف لمدنيين إسرائيليين، إلى تعظيم جارف لهذه الاستراتيجيات ودفعها إلى الواجهة، حتى قبل أن تقوم الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية ببلورة واضحة لخطط العمل العسكرية، أو حتى لأفكار أولية لكيفية التعامل مع وضع حماس في غزة، لتحقيق الأهداف المعلنة لتلك الحرب.
من المهم هنا الإشارة إلى أن تلك الاستراتيجيات "الداخلية" أتت في سياق توسيع وتطوير "أدوات العمل" الإسرائيلية، في مواجهتها المفتوحة مع الفلسطينيين (والعرب في حالة لبنان مثلا)، وتمت إعادة بلورتها ووضعها بقوة في صلب النقاش الإسرائيلي الداخلي، بهدف جمع "القبيلة" اليهودية وطاقاتها في المواجهة العسكرية والسياسية، ومنع بلورة تيار أو موقف واضح ضد الحرب أو الممارسات الإسرائيلية خلالها، أو على الأقل لأجل التقليل من أهمية وقوة أصوات يهودية إسرائيلية لا تسير مع مسار تيار الأغلبية ورغبته في الثأر أو الانتصار، أو كليهما.
ويمكن تشخيص تلك الاستراتيجيات في الآتي:
أولا: نزع شرعية نضال الفلسطينيين: وهي من أهم وسائل وأدوات العمل الإسرائيلية في المواجهة العامة، قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبالتأكيد بعده، وتفيد باتباع أو إعادة تكرار مقولات إن إسرائيل فعلت كل ما هو مطلوب منها للتجاوب مع التطلعات الفلسطينية، وأن الفلسطينيين "شعب عنيف" ولا يتطلع إلى حل، بل إلى إزالة إسرائيل عن الوجود، وإقامة دولة عربية أو إسلامية مكانها، وبالتالي الترويج لفكرة أنه لا تصالح مع هذا النهج ولا تهادن مع نضال الفلسطينيين لأجل تحصيل حقوقهم في تقرير المصير.