توّج الكاتب الفرنكو عراقي فرات العاني بجائزة الأدب العربي التي يمنحها "معهد العالم العربي" بباريس بالشراكة مع مؤسسة "جون لوك لاغادير" الفرنسية، عن روايته "أتذكر الفلوجة" الصادرة عن دار "جي سي لاتيس"،والتي اختيرت بين ستة أعمال شكلت القائمة القصيرة للجائزة التي أعلن عنها الصيف الماضي. رواية وصفتها لجنة تحكيم الجائزة بالمؤثرة، تناولت بفنية عالية موضوع المنفى وذكريات بلد ممزق أنهكته الحرب والنزاعات المذهبية، من خلال قصة خاضت في فقدان الذاكرة واستعادتها بين فرنسا والعراق، محاولة سبر أغوار العلاقة المعقّدة والحساسة في الوقت نفسه بين أب وابنه.
ترصد رواية "أتذكر الفلوجة" قصة رامي الذي يقرّر مطلع سبعينات القرن الماضي مغادرة العراق هربا من دكتاتورية صدام حسين، ليستقر لاحقا في فرنسا بعد حصوله على اللجوء السياسي، وفيها يقرّر قضاء حياته بعيدا عن ماضيه الغارق في المآسي والظلم، معتقدا أن هذه الحياة التي اختار أن يعيشها في صمت وبلا ذاكرة، ستمكّنه من التخلص من الرجل الذي كانه، أو على الأقل لن تسمح للخوف بالاستحواذ على روحه مجددا، وهو غير مدرك لحقيقة أن الذاكرة يستحيل إلغاؤها بقرارٍ يصدره العقل، فهي كالوطن تماما، لا تخضع إلا لقوانين القلب، وأن مجرد تخليه عن ذاكرته سيفقده إنسانيته التي لأجل الحفاظ عليها غادر وطنه، فهي الوسيلة الوحيدة مثلما قال الكاتب الأميركي وليام جيمس التي بها يعرف الإنسان أنه إنسان.
أوهام
هكذا يختار رامي أن يعيش منفاه، متوهما أنه بذلك سيولد من جديد كائنا بلا ماض ولا ذاكرة. وهمٌ سرعان ما سيحاول فرضه على محيطه وعائلته وبالأخص ابنه الذي لن يكف عن محاولة اكتشاف أصوله العراقية والبحث عن تفاصيل حياة أبيه السابقة، وكان ليتوقف عن المحاولة لو لم يحدث أن أصيب والده بالسرطان الذي تسبب في فقدانه الذاكرة، لكن المفارقة أنه نسي كل ما حدث معه منذ وطأت قدماه أرض فرنسا، ولم يعد يذكر إلا حياته التي حاول وأدها لعقود وهو يظن أنه محا ذكرياته في العراق إلى الأبد.