كتاب يروي قصة حياة ميسي: حاصد جميع الألقابhttps://www.majalla.com/node/306696/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D8%AF-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A8
لم يكن فوز ميسي بالكرة الذهبية (Ballon d'Or) (31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) للمرة الثامنة في تاريخه رقما قياسيا مفاجئا لأحد بعد انتصاره الأسطوري بأغلى بطولة في كرة القدم، كأس العالم، التي جرت في الدوحة.
محللون ومدونون كتبوا وقتها أن ميسي ختم كرة القدم، مثلما يختم لاعب ألعاب فيديو لعبة ملحمية وطويلة بعد إنجاز المهام جميعها. لقد أنجز ميسي كل المهام. فاز بكل شيء. وغزا منصات التتويج، والأرقام القياسية، وصفحات التاريخ الرياضي.
من براهين العناية بكل ما يتعلق بالنجم الارجنتيني إصدار الترجمة العربية لكتاب "ميسي: القصة الكاملة" للإيطالي المعروف بسير اللاعبين لوكا كايولي، ترجمة عبد الرحمن النجار عن منشورات "وسم" الكويتية. يسرد الكتاب عبر 327 صفحة من القطع المتوسط رحلة الصعود الأسطوري لميسي من ولادته إبان الظروف السياسيّة والاقتصاديّة المعقدة للبلاد في حي فقير في مدينة روزاريو عام 1987 حتى وصوله إلى نادي باريس سان جيرمان في لحظة صدمت عشاق برشلونة الذين كانوا يؤمنون بأن هدّافهم التاريخي سينهي حياته الرياضيّة على عشب ملعب "الكامب نو".
كتبُ سير لاعبي الكرة ممّن لم يعتزلوا بعد، تصدر عادة نهاية كل موسم كروي بتحديث جديد. تُجرى إضافة أحداث آخر موسم في فصل أخير مع مراجعة بعض التفاصيل، لذا فإن لكتاب كايولي طبعات متعددة على عدد مواسم ميسي، والطبعة العربية هي نسخة آخر موسم له مع "البلاوغرانا".
لامس الطفل العشب للمرة الأولى، وحين جاءت الكرة إلى قدمه اليسرى وقعت معجزة صغيرة ستتكرّر كثيرا في السنوات المقبلة
وصل كايولي إلى الدائرة الأقرب لليو، عائلته، أصدقائه، وزملائه اللاعبون، وبعض من أشرفوا على تدريبه عبر مراحل مختلفة. حتى ليو نفسه، وبشكل مباشر، شكّل مصدرا لمعلومات الكتاب الذي تضمن سردا واسعا ومثيرا وتفصيليا لكواليس أهم الأحداث واللحظات التي صنعت مسيرة قائد "راقصي التانغو" على نحو موسوعي مغرق بالمعلومات وبالاستطراد أحيانا. سيجد القارئ متابعة لأصداء الصحافة المحلية الأرجنتينية والعالمية، وانطباعات رموز اللعبة عن ميسي، وخفايا ما كان يحدث خلف الكواليس، غير أن ما يؤخذ على كتب سير كهذه حماستها المفرطة، ولا حياديتها في مواضع عدّة، إذ تطغى على الأحكام المفصليّة "الرواية الميسيوية"، وهو أمر مفهوم لصحافي عرف بمطاردة سير النجوم إزاء لاعب بحجم ميسي، لكن رواية الأحداث بطريقة "الاتجاه الواحد" قد تبدو مملة في بعض المواضع.
البداية: حرب أهلية وشيكة
1987: كانت البلاد على شفا حرب أهلية وقتها. مجموعة من الضباط الشباب قاموا بتمرد على الرئيس راؤول الفونسين مطالبين إياه بإيقاف الملاحقات القانونية في حق الضباط الكبار ممن ارتكبوا تجاوزات خطيرة أثناء فترة الحكم الشمولي العسكري. الجماهير الغاضبة تملأ الشوارع. خمسة عشر تفجيرا في أنحاء البلاد الغارقة بالتضخم كشفت عن انقسام خطير. بعد ولادة دقيقة، جاء الطفل الثالث الى منزل العائلة في حي لاس هيراس في 26 يوليو/تموز من ذلك العام. بعد أربع سنوات فقط سيذهل والده حين تمس الكرة قدميه للمرة الأولى في الشارع، قرب مركز "ماريانو غراندولي" للتربية البدنية حين سيراه مدربه الأول أباريسيو.
كان المدرب يحضّر لفريق براعم من مواليد 1986، وكما في القصص الكلاسيكية، فإن قدرا ما أخّر اللاعب الأخير في الفريق عن الالتحاق، مما دعا المدرب إلى أن يستجيب رجاء سيدة بأن يجرّب ولدها الصغير. تلك السيدة هي سيليا، والدة ميسي، التي كانت تصطحبه هي أو عمته إلى الملعب مؤمنة بمهاراته. لامس الطفل العشب للمرة الأولى، وحين جاءت الكرة إلى قدمه اليسرى وقعت معجزة صغيرة ستتكرّر كثيرا في السنوات المقبلة. تخطى الولد القصير أجساد الصبية المتجمهرين حوله لانتزاع الكرة واحدا بعد واحد. كان شبحا لا يمكن إيقافه، مرّ من الأول فالثالث، فالخامس، لا يتذكر المدرب أن ميسي قد سجل هدفا لحظتها، لكن ما يتذكره أنه لم ير لاعبا يُراوغ ويتحكّم بالكرة على هذا النحو من قبل. ومنذ لحظتها أقسم بأن لا يدع هذه الجوهرة تفلت من يديه.
لم يستطع أحد إيقاف المارد القصير، كان أصغر اللاعبين حجما، وأكثرهم خجلا وتواصلا اجتماعيا، لكنه الأشدّ إزعاجا حين تصله الكرة. استعمل خصومه الصغار الضرب ضده. كان يبكي أحيانا من شدة الألم. لكنه كان ينهض دائما ويستمر بالجري. فاز بكل بطولات المدارس وحصد لقب الهداف وأحسن لاعب. يقول أباريسيو: "لديّ صورة لميسي مع أول كأس له في حياته. لقد بدا بحجم الكأس تقريبا".
إلى جانب استعراض المشوار الرياضي الفذ، يفرد الكتاب مساحة جوهرية لدور التربية والعائلة في انقاذ أبناء الأحياء الفقيرة من السقوط في بئر الكحوليات والمخدرات واليأس. في حالة ميسي، فقد امتلك أبوين دعماه وساعداه على أن يصبح ما عليه اليوم. فعلى الرغم من خلفية العائلة الفقيرة إلا أن التعليم كان الفيصل، بالأخص في ما يتعلق بمشكلة "نقص هرمون النمو"، الحالة النادرة التي أصيب بها ميسي (تصيب انسانا من كل 20 مليونا)، والتي كانت تكلف علاجا باهظا تجاوز 10 آلاف جنيه إسترليني سنويا. واجهت العائلة تحديا مصيريا. ثم جاء الفرج، ثمة نادٍ في إسبانيا، سمع عن موهبة ذي الثلاثة عشر ربيعا، ومستعد لدفع تكاليف العلاج. النادي ذاك يدعى: برشلونة.
تتشابه قصة ميسي مع قصة مارادونا، من حيث الموهبة الخارقة، لكنها تختلف عنها في المسار والمآل
دييغو وليو
بعد تعقيدات إدارية دامت عاما، سمح لليو باللعب مع برشلونة في فبراير/شباط 2002 وفي نهاية الموسم كان قد حصد للفريق كأس "مايستريللي" في بيزا بإيطاليا بعد هزيمة الفرق كلها.
بدأت الأخبار السعيدة. أعلن الفريق الطبي أن في إمكان ميسي أن يوقف علاج نقص هرمون النمو بعد وصوله الى طول وراثي مناسب. ثم التحق بالفريق "أ" في حلول موسم 2002-2003.
تتشابه قصة ميسي مع قصة مارادونا، أيقونة كرة القدم العالمية. من حيث المبدأ، موهبة خارقة تبزغ من واقع فقير، لكنها تختلف عنها في المسار والمآل، امتلك ميسي عقلية فطنة لإدارة موهبته، وانضباطا حديديا في الحفاظ على نفسه، وعدم الانزلاق إلى مهاوي الشهرة والمجد وتدفق الأموال. على المستوى الإنساني والشخصي لم تبد على ميسي ميول تصدر نشرات الأخبار والافتخار بنفسه وصناعة المشكلات في التصريحات. لم يتدخل في السياسة، ولم يُظهر رغبة في الصدام مع مدربيه أو زملائه في الفريق أو رؤوس المؤسسات الرياضية الكبيرة. على العكس من مارادونا الذي دخل في حرب مع الجميع وخسر نفسه في النهاية. كان تراجيديا، فوضويا، سهل الانزلاق الى مغريات المال والإدمان والمغامرات الشخصية.
اعتمد ليونيل على موهبة "قادمة من الفضاء" (التعبير لكارلوس ريكاساتش)، لكنه اعتماد ظل يتكئ على هدوء مفرط، ومثابرة في أداء الواجبات، وصرامة في التركيز على دوره كلاعب كرة قدم فحسب، وتجنّب أي معارك جانبية خارج اختصاصه، والأهم التركيز على المتعة أثناء اللعب. يقول نجم الكرة الفرنسية زين الدين زيدان: "ميسي من القلائل الذين يعرفون ماذا سيفعلون بالكرة قبل أن تصل قدميه. لقد كنتُ أسبق اللاعبين في الملعب بثانية واحدة. ميسي يسبق الجميع بخمس ثوان".
مجد برشلونة
مثلما ارتبطت نابولي الإيطالية بمارادونا، فمن الصعب لبرشلونة الإسبانية أن تنسى ميسي. لعب ليو مع الفريق 789 مباراة في مختلف المسابقات سجل فيها 672 هدفا وصنع 305 أهداف. أحرز لقب الدوري 10 مرات وكأس الملك 7 مرات ومثلها كأس السوبر. لكن اللقب الأغلى كان دوري أبطال أوروبا الذي حصده أربع مرات وكأس العالم للأندية (3 مرات). ولكي نعرف ما هي فرادة مارد برشلونة فسنقول إنه أصغر لاعب في التاريخ يفوز بثلاث كرات ذهبية بعمر 24 عاما فقط.
في ذلك الموسم حقق إنجازا من العسير كسره، وهو جمعه جائزتي الكرة الذهبية (مجلة فرانس فوتبول) وجائزة أفضل لاعب في العالم (الفيفا)، وهو ما لم يتكرّر بعده. كما أنه في الموسم ذاته نال لقب هداف الدوري الإسباني وجائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في أوروبا. كل ذلك، جعل من رحلته مع برشلونة قصة خرافيّة لا تصدّق إلا لمن عاشها، وقد منحت النادي صورة أيقونية رفيعة، وسمعة مرموقة بفضل جيل جاء الى المدينة بكل الأمجاد في سنة واحدة (6 ألقاب محليّة وقاريّة وعالميّة في موسم واحد) هو 2009.
لكن من يقرأ حجم الضغوط التي واجهت ميسي خلف الأضواء يعرف ألا شيء يأتي مجانا، وأن الثمن غالٍ ويستنزف إنسانية المرء
حسرات المونديال
لم تكن بطولة كأس العالم طيعة أمام قائد "الالبسيليستي". في مونديال ألمانيا 2006 وقف المدير الفني بيكرمان أمام رغبة الصحافة والجماهير وأجلس الجوهرة الواعدة في المباراة الأخيرة أمام المستضيف. وحمل مونديال جنوب أفريقيا عاصفة الغضب الجماهيري لميسي الذي يبدع في برشلونة و"يتخاذل" مع المنتخب الوطني، ضغط المقارنة الإعلامية، واضطراب العلاقة الشخصية مع مارادونا، سياط النقد اللاذعة التي تراه باردا في ردود فعله (حادثة عدم الاحتفال بهدف التأهّل إلى المونديال). خرجت والدته سيليا للدفاع عنه بشراسة. يتصل ميسي بالمدير الإداري ويخبره بأنه لن يلعب مجددا في المنتخب. لا يجيد ميسي مواجهة الأزمات. يعرف زملاؤه في النادي ذلك، وتعرفه أيضا عائلته. صدمة الخبر جعلت مارادونا يطير إلى إسبانيا ويخرج للمرة الأولى مع ميسي للعلن مقدما دعمه الكامل. من لحظتها تغير شكل العلاقة بينهما.
كان المونديال صعبا. قدّمت الفرق المنافسة أقوى عروضها أمام ميسي، فهو أفضل لاعب في العالم، وهذه أحسن مناسبة للفت أنظار الإعلام. في دور الثمانية تحطّمت سفينة الفريق على صخورٍ ألمانية لا تمزح. مزق رفاق مولر وكلوزة رفاق ميسي بأربعة أهداف دون مقابل. بدا ميسي في المباراة معزولا وبلا حيلة. أوقفه الدفاع الألماني ولاعبو الارتكاز حتى من دون ارتكاب خطأ واحد. عُزيت الهزيمة يومها الى عقم أسلوب المدرب التكتيكي. كان ميسي أكثر لاعب سدّد على المرمى في المونديال 30 مرة (منها اثنتان في القائم) غير أن الحظ جانبه. جرى ومرّر العرضيات وقدم تمريرات مفتاحية لكن المحصلة "أسوأ لحظة في حياتي" كما قال المدرب مارادونا في المؤتمر الصحافي.
مونديال البرازيل كان الصدمة المرة. وصل الفريق الى النهائي، وكان ميسي حاسما في كل انتصارات الفريق في طريقه نحو التتويج. بدا أن هناك دقائق قليلة لتحسم البطولة بضربات الجزاء قبل أن يأتي خنجر ماريو غوتزه. لقد فازت ألمانيا مرة أخرى. هكذا تكون ألمانيا قد حرمت ميسي من ثلاثة مونديالات (2006 و2010، 2014). لم يستطع ميسي ليلتها أن يبتسم وهو يتسلم جائزة أفضل لاعب في المونديال: "يبدو أننا سنظل نتجرع مرارة الحرمان من كأس العالم. لكننا سنخرج مرفوعي الرأس".
يبدو طريق المجد براقا من بعيد، المال والشهرة والرفاهية وحب الناس. لكن من يقرأ حجم الضغوط التي واجهت ميسي خلف الأضواء يعرف ألا شيء يأتي مجانا، وأن الثمن غالٍ ويستنزف إنسانية المرء، وعائلته، وأبسط حقوقه في حياة عادية. حوّل ميسي غضب شعب كامل تجاه مسلسل إخفاقات المنتخب في كوبا أميركا وكأس العالم إلى انتصار أبديّ في الفرصة الأخيرة المتاحة. درس آخر بليغ في أن الموهبة تحتاج إلى الحظ مثلما تحتاج إلى المعجزة الكامنة فيها.
يمرُّ الكتاب على قضية الاتهام بالتلاعب الضريبي، وتظاهرات الانفصال الكاتالونية، وزواجه من أنتونيلا روكوزو، ومشكلات نادي برشلونة الاقتصادية، ويسلط ضوءا كثيفا على ظروف انتقاله الصادم إلى باريس سان جيرمان، لكن الحدث الأبرز في حياة ميسي وهو تتويجه أخيرا بكأس العالم يغيب عن فصول الرواية. ذلك لأن الطبعة الإيطالية صادرة قبل البطولة بعام تقريبا، غير أن تفاصيل الحكاية الأسعد لا تزال طرية في صدور محبي ميسي في كل العالم. قبل ذلك، وبعده، السحر الخالد المتغلغل في ذاكرة اللعبة وألواح المجد الرياضي عن أبرز من لعب كرة القدم في التاريخ. عن ذلك يقول بيب غوارديولا: "يمكنني أن أقول لأحفادي... حسنا، لقد دربت ليونيل ميسي ذات يوم".