بعد شهرين من الحرب، قامت إسرائيل، أخيرا، بتشكيل مجموعة للتخطيط لما سمته "اليوم التالي" في غزة، في إشارة إلى الفترة التي ستلي الحرب المدمرة هناك. وأثار هذا التأخير قلق حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة؛ حيث تمارس إدارة الرئيس جو بايدن التي نفد صبرها ضغطا على إسرائيل من أجل اتخاذ موقف استباقي بشأن مستقبل غزة والقضية الإسرائيلية الفلسطينية الأوسع. بل إن مماطلة الزعماء السياسيين الإسرائيليين أحبطت أيضا بعض كبار الضباط داخل الجيش الإسرائيلي، الذين يتساءلون كيف يمكنهم تشكيل ساحة المعركة دون خطة واضحة لما سيأتي بعد ذلك؛ ففي نهاية المطاف، لن يأتي "اليوم التالي" إلا نتيجة لـ"اليوم السابق"، أي الحرب الحالية في غزة.
فريق اليوم التالي
وقبل بضعة أيام فقط، اتخذت إسرائيل أخيرا هذه الخطوة، تحت وطأة تجدد الضغوط الأميركية، بما في ذلك زيارة مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، فيل غوردن، ومع اقتراب المرحلة "عالية الحدة" لحرب غزة من نهايتها. وضع فريق "اليوم التالي" برئاسة كل من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، والوزير رون ديرمر، وعضوية أشخاص آخرين في أجهزة الأمن الإسرائيلية. ولكن، لا يملك أي من الأفراد سلطة حقيقية لتقرير أي شيء. بعبارة أخرى، في حين أن هذه الخطوة تشكل جهدا حقيقيا للتفكير في المستقبل، إلا أنها من الممكن أيضا أن تتحول بسهولة إلى لجنة منسية ستُرمى استنتاجاتها في سلة المهملات.
إن المهمة شاقة حقا، ولا ريب في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يتباطأ لسبب مهم، ذلك أن أي سيناريو لما بعد الحرب يجب أن يتضمن بعض التنازلات للفلسطينيين. ومن المؤكد أن هذه التنازلات ستؤدي إلى تقويض "ائتلاف بيبي" اليميني المتطرف. ونتيجة لذلك، كان نتنياهو يفعل ما يتقنه: تأجيل الأمور إلى المستقبل، والتركيز على المصالح الأمنية الضيقة.
حتى الآن، وضع نتنياهو شرطا مسبقا لأي سيناريو يتعلق بـ"اليوم التالي"، وتجلى ذلك في خطاب ألقاه في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، حين حذر من أن إسرائيل ستحتفظ في المستقبل بـ"المسؤولية الأمنية الشاملة" في غزة "لفترة غير محددة". وقد أسيء تفسير تلك العبارة باعتبارها تعني أن إسرائيل ستعيد احتلال غزة وتبقى فيها إلى أجل غير مسمى.
لكن ما يدور في خَلد نتنياهو مختلف قليلا؛ إذ كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يشير إلى مفهوم مستمد من اتفاقات أوسلو، التي تعترف، في محاولة لتخفيف المخاوف الإسرائيلية، بمنح إسرائيل "المسؤولية عن الأمن العام للإسرائيليين" في جميع أنحاء الضفة الغربية. واستنادا إلى هذا المفهوم السابق، تعمل إسرائيل بشكل منتظم في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتنفذ غارات في جميع مناطقها. ولكي نكون واضحين، لم تكن هذه روح الاتفاقات بالفعل، ولكنها غدت أمرا واقعا. وما يريده نتنياهو هو الاحتفاظ بإمكانية دخول إسرائيل إلى غزة وتشغيلها من خلال غارات مماثلة.
وهذا هو السبب وراء الحد الأدنى من انخراط الحكومة الإسرائيلية في الجوانب غير الأمنية للتخطيط لمرحلة ما بعد الصراع في غزة، إذ ينصب اهتمام الحكومة حصريا على الحفاظ على "المسؤولية الأمنية"، في حين تتجنب، كما قال وزير الدفاع غانتس، أي انخراط في "المسؤولية المدنية" داخل غزة، التي تفترض قيامها بمهام مثل إعادة البناء وتوفير الخدمات الأساسية لأكثر من مليوني فلسطيني في المنطقة، وهي مسؤوليات لا ترغب إسرائيل في القيام بها.