منذ اللحظة التي شنت فيها "حماس" هجومها المدمر ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان جلّ اهتمام العالم يتلخص في منع انتشار الصراع خارج حدود غزة والمنطقة المجاورة مباشرة لها.
ولهذا السبب، استجابت إدارة بايدن، في غضون أيام من وقوع الهجمات، من خلال إرسالها مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة، وكان هدفها في المقام الأول ردع دول مثل إيران عن محاولة تصعيد الصراع. واستجابت القوى الغربية الأخرى، مثل المملكة المتحدة، بطرق مماثلة، وسرعان ما كانت سفنها الحربية تبحر إلى المنطقة وتعزز وجودها العسكري هناك.
وفيما نجحت هذه الاستراتيجية حتى الآن في حصر معظم القتال في المنطقة المجاورة مباشرة لغزة، فإن التهديد المتزايد للشحن الدولي الذي يمر عبر البحر الأحمر أجبر عددا من مشغلي الشحن الرئيسين على إعادة توجيه عملياتهم، ما يشير إلى أن التهديد الأوسع بتصاعد الصراع لا يزال على الطاولة.
وفي الأيام القليلة الماضية، أعلن عدد من شركات الشحن الدولية الكبرى عن تغيير مسارها بعيدا عن البحر الأحمر بسبب مخاوف أمنية من تدهور الوضع الأمني في البحر الأحمر. وتشمل هذه الشركات "ميرسك"، و"هاباج لويد"، و"إم إس سي". وبالفعل، علقت سبع من أكبر عشر شركات شحن عمليات الشحن في البحر الأحمر. وانضمت إليهم، يوم الاثنين الماضي، شركة النفط البريطانية العملاقة "بي بي" (B.P)، التي أعلنت أنها ستوقف جميع شحنات النفط والغاز عبر البحر الأحمر.
أحد الأسباب الرئيسة لتغيير المسار هو الزيادة في أقساط التأمين الناجمة عن الهجمات على الشحن في البحر الأحمر.
ونتيجة لذلك، تسلك الكثير من السفن الآن طريقا أطول حول رأس الرجاء الصالح، مما يطيل زمن الرحلة ما يقرب من أسبوعين من الزمن.
استُهدفت ناقلات وسفن الشحن بطائرات مسيّرة وصواريخ انطلقت من اليمن. ورغم أن الأضرار الناجمة كانت ضئيلة في معظم الحالات، فإن التهديد وحده ترك طرق التجارة عبر البحر الأحمر في حالة شلل تام تقريبا
ولا شكّ في أن التأخير والتكاليف الإضافية الناجمة عن الحاجة إلى تجنب البحر الأحمر ستؤدي إلى زيادة حادة في تكلفة أسعار الطاقة والسلع، فضلا عن التسبب في تأخير تسليم السلع الأساسية، مثل الإلكترونيات، في الفترة التي تسبق عيد الميلاد.
وقد ارتفعت أسعار النفط والغاز الطبيعي بالفعل بعد الإعلان عن قيام شركة "B.P" بتعليق الشحنات عبر البحر الأحمر، مع توقع المحللين أن التكاليف من المرجح أن ترتفع أكثر إذا استمرت الهجمات، وهو تطور قد يكون له تأثير سلبي على الجهود العالمية لخفض التضخم الذي نجم عن الوباء.
ومعروف أن السبب الرئيس وراء تعطيل عمليات الشحن الدولي في البحر الأحمر هو الزيادة الأخيرة في الهجمات على السفن التجارية من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والمتمركزين في اليمن.
ومع أن الحوثيين زعموا في البداية أنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية فقط، إثر إعلانهم الحرب على الدولة اليهودية في أعقاب إطلاق الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد مقاتلي "حماس" في غزة، إلا أنهم وسعوا هجماتهم في الأسابيع الأخيرة لتصيب سفن الشحن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ردا على القصف الإسرائيلي المستمر لغزة.
وقد استُهدفت ناقلات وسفن الشحن بطائرات مسيّرة وصواريخ انطلقت من اليمن. ورغم أن الأضرار الناجمة كانت ضئيلة في معظم الحالات، فإن التهديد وحده ترك طرق التجارة عبر البحر الأحمر في حالة شلل تام تقريبا.
وفقط لجعل الوضع أسوأ، وردت تقارير بأن قراصنة صوماليين قد شاركوا أيضا في الهجمات، فقيل إن آخر سفينة تعرضت للهجوم في البحر الأحمر قد اختطفت من قبل قراصنة صوماليين. وأشارت التقارير الأولية إلى أن سفينة "MV Ruenm"، وهي ناقلة البضائع السائبة غير المغلفة وتبحر تحت العلم المالطي، أصبحت الهدف الأخير للهجمات ضد السفن القريبة من الساحل اليمني.
وذكرت تقارير في نهاية الأسبوع أن السفينة كانت متجهة إلى الصومال عندما أرسلت إشارة استغاثة قائلة إن ستة أشخاص صعدوا عليها. وردا على ذلك، أرسلت البحرية الهندية سفينة دورية لمكافحة القرصنة وطائرة دورية لتتبع حركة السفينة. وحتى الآن لم يعلن أحد مسؤوليته عن عملية الاختطاف.
ومع ذلك، فإن معظم اللوم في تدهور الوضع الأمني في البحر الأحمر يقع على عاتق المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والذين يمكنهم بسهولة استهداف السفن التي تقترب من مضيق باب المندب، وهو الممر المائي الضيق الذي يبلغ عرضه نحو 20 ميلا ويقع بين جيبوتي واليمن عند مدخل قناة السويس، أحد أهم شرايين التجارة العالمية.
شاركت السفن الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية في اعتراض هجمات الحوثيين على الشحن الدولي. ولذلك، لم يعد من الممكن، في مثل هذه الظروف، تجاهل احتمال تصاعد الصراع في غزة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا
ويمر ما يقدر بنحو 12 في المئة من التجارة العالمية عبر القناة، بما في ذلك 30 في المئة من حركة الحاويات العالمية، محملة بمليارات الدولارات من البضائع والإمدادات المتداولة عبر البحر الأحمر كل عام، ولذلك فإن أي انقطاع في تشغيله له تأثير مباشر على تدفق التجارة العالمية.
وقد أعرب مسؤولون أمنيون عن قلقهم إزاء السهولة التي تمكن بها الحوثيون من تعطيل أحد أهم طرق التجارة في العالم باستخدام قاعدتهم في العاصمة اليمنية صنعاء لاستهداف السفن في مضيق باب المندب أثناء دخولها البحر الأحمر في رحلتها إلى قناة السويس.
ويزيد تصاعد الهجمات من المخاوف من أن يكون الحوثيون ربما يعملون بناء على طلب من إيران، التي لها تاريخ طويل في تزويد الحركة بالأسلحة.
إن الموقف الرسمي الإيراني، الذي عبر عنه المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، بعد لقائه مع زعيم "حماس" إسماعيل هنية في نوفمبر/تشرين الثاني، هو أن البلاد ليس لديها أي نية للتورط بشكل مباشر في الصراع في غزة، على الرغم من أنها واحدة من الداعمين الرئيسين لصراعات "حماس".
وبينما تحرص طهران على تجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل وحلفائها، تزداد الأدلة على استخدامها لوكلائها في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط لتكثيف الضغوط على إسرائيل، فإلى جانب هجمات الحوثيين، ادعت ميليشيا "حزب الله" في جنوب لبنان، وهي أيضا حليف قوي لطهران، في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها نجحت في مهاجمة نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم "القبة الحديدية".
وقد أدى احتمال تعرض التجارة العالمية لاضطراب شديد في هذا الطريق التجاري الحيوي إلى زيادة نشر السفن الحربية الغربية في المنطقة، حيث شاركت السفن الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية في اعتراض هجمات الحوثيين على الشحن الدولي. ولذلك، لم يعد من الممكن، في مثل هذه الظروف، تجاهل احتمال تصاعد الصراع في غزة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا.