عندما أعاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري تأهيل السرايا الحكومية العثمانية في بيروت، والتي كانت الحرب الأهلية قد ألحقت بها أضرارا كبيرة، أراد أن ينقش أعلى بوابتها الرئيسة الحكمة العربية القديمة: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك".
تعبّر هذه الحكمة في معنى من معانيها عن زهد في الحكم، بينما كان الحريري رجل سلطة يرغب كما غيره من رجال السلطة في الحفاظ على "ملكه"، وهو ما يجعل أسباب اختياره لهذه الحكمة مبهمة؛ مع العلم أن ممارسات الطبقة السياسية بعده جعلت كثيرا من اللبنانيين ينظرون إليه على أنه كان مثالا في الحكم وأن اغتياله دفع لبنان نحو هاوية سحيقة.
لكن تجاوزا للبعد الشخصي في اختيار الحريري هذه الحكمة فهي يمكن أن تشكل دلالة رمزية على النمط الاجتماعي والسياسي للطائفة السنيّة في لبنان لناحية مرونتها النسبية داخل النظام السياسي قياسا على تصلب بقية الطوائف، إذ يندر أن يعبر أحد زعمائها عن استعداد لإبداء ليونة مماثلة في الحكم، فضلا عن أنها تنظر إلى مراكز تمثيلها في النظام بوصفها مكاسب وجودية لا تمس.
فإذا كان التهديد الشعبي والسياسي بإسقاط الرئيس إميل لحود في العام 2005 قد قوبل باستنفار طائفي ماروني، فإن الدعوات في محطات عديدة- آخرها مظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019- لإسقاط رئيس الحكومة السنّي لم تستدع استنفارا مماثلا وإن لم يخل الأمر من بعض الامتعاض.