لا يمكن لأحد أن يدعي أن قضية الهجرة غير الشرعية الشائكة مجرد مزحة. ولا شك في أن فكرة ترحيل بضع مئات من آلاف الأشخاص الذين يصلون إلى بريطانيا بالقوارب وإرسالهم إلى مكان ثالث لم يكونوا يعتزمون زيارته أبدا، على أساس أن ذلك قد يردع الآخرين من اللحاق بهم، قد بلغت من السخرية السوداء حدا لم يصله من قبل سوى فكرة اختراع آلة تعكس موج القنال الإنجليزي (بحر المانش) لتعيد قوارب المهاجرين إلى فرنسا.
ومع ذلك، فقد هيمنت استراتيجية ترحيل طالبي اللجوء أو المهاجرين على المناقشات البرلمانية لفترة طويلة، منذ أن دعا سوناك علنا إلى "إيقاف القوارب"، ودفعت هذه المناقشات إدارته إلى حافة الانهيار تقريبا.
ولو كانت "السيكودراما" فنا دراميا معترفا به لحقّ لقادة حزب المحافظين أن يكونوا بين المرشحين للحصول على جائزة ما في مهرجان أوسكار القادم، ولأمكنهم منافسة فيلمي "باربي" و"أوبنهايمر"، وقد يتركون جائزة أفضل إنتاج لأحد الفيلمين المذكورين، مكتفين بجائزة إنجاز العمر بدلا من ذلك، باعتبارهم أقدم حزب سياسي في القارة وأكثر مصادر الهزل السياسي موثوقية.
ويثبت فريق المحافظين أنه لا يزال محافظا على لمسته الساحرة، فقد فتن الأمة على مدى السنوات القليلة الماضية بعدد كبير من الأدوار المتألقة. تريدون رؤساء وزراء؛ لدينا الكثير منهم، بقدر ما تريدون في الواقع. وإذا كنتم تفكرون في المناصب الحكومية الكبرى الأخرى، فلدينا عدد وافر من الرؤوس لهذا الغرض، بعدد رؤوس "هيدرا"، وقد شرّف بعضُها وزارة الداخلية، بما في ذلك الشخصيات القوية التي أسعدت الجماهير مثل بريتي باتيل وسويلا برافرمان. ولعل قلة قليلة فقط تتذكر أن السيدة باتيل هي التي أعطتنا خطة اللجوء في رواندا، والتي يشار إليها من الآن فصاعدا باسم "الخطة".
وسبق لها أن تكرّمت بطرح فكرة آلة الأمواج التي تعيد قوارب اللاجئين إلى فرنسا، ولكن قلة فقط يتحدثون عن ذلك. ولم تنجح أيضا خليفتها، العدو اللدود للمهاجرين غير الشرعيين أو من تصفهم بـ"الغزاة"، في إتمام الخطة، ولعل سويلا برافرمان لم تبذل أقصى طاقاتها، لأن الفشل في مثل هذه الأمور وسيلة رائعة لتأجيج المظلومية لدى أنصار المرء.
ونتيجة لهذا الفشل، تستمر القوارب الصغيرة- المحملة باللاجئين وغير الصالحة للإبحار على نحو خطير- في الوصول عبر القنال، التي هي (كما يذكّروننا باستمرار) واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاما على هذا الكوكب. حتى في منتصف الشتاء، تستمر القوارب في القدوم. في بعض الأحيان يجري إنقاذ الأشخاص الموجودين عليها قبل وصولهم، ويخوض آخرون حرفيا في مياه الشاطئ على طول ساحل كِنت، ولكن البعض منهم لا يصل مطلقا إلى غايته.