يحتفظ "متحف بيبودي للآثار والإنسانيات" في جامعة هارفرد الأميركية، بأقدم توثيق مسجل للموسيقى والغناء العربيين، أشرف عليه البروفسور بنيامين إيفيس جيلمان (1852-1933)، قبل مئة وثلاثين عاما بالضبط. قصة هذا التوثيق تستحق أن تروى، كونها ارتبطت بواحدة من أهم تجارب التفاعل المباشر بين الفن العربي والجمهور الأميركي، وكان لها منعكسات مختلفة سواء في الولايات المتحدة أو في المشرق العربي.
بسبب هيمنة النزعة الفولكلورية على منظمي معرض إكسبو شيكاغو 1893، اشترطوا على الدول المدعوة أن تكون مشاركاتها ذات طبيعة فولكلورية، تتضمن العادات والتقاليد والموسيقى والفنون الشعبية، وبسبب ذلك ضمّن المسرحي السوري أحمد أبو خليل القباني (1842- 1902) عروضه الثمانية التي قدمها على مدار ستة شهور، فقرات فولكلورية، تحوي أغاني شرقية وفولكلورية، ورقصات شعبية معروفة في بلاد الشام، مثل الدبكة، ورقصة والسيف والترس. وكونه كان يمثل السلطنة العثمانية، اصطحب معه راقصا تركيا من إزمير يؤدي رقصة الزبك (الزيبقلي) الشهيرة.
شهرة واسعة
طبقت الآفاق شهرة "مرسح العادات الشرقية"، وهي التسمية التي اشتهرت بها فرقة القباني في المعرض، بما كتبته صحف أميركية شهيرة من متابعات ومقالات نقدية للعروض. وكان عدد المشاهدين في العرض الواحد يصل في أيام العطل إلى أربعة آلاف مشاهد، وهذا عدد كبير على مسرح لم يكن يستوعب أكثر من ألفي مشاهد في اقصى درجات استيعابه. كما انتشرت صور الفرقة في الكتب الترويجية، وباتت مقصد الباحثين عن سحر الشرق وغرائبه وموسيقاه وفنونه.