في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، أصدرت شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) تقريراً عن الطاقة النووية، تنتقص فيه من قدرتها كمصدر للطاقة ذي تأثير ملموس في النروج قبل عام 2050.
أشار تقريرها إلى أن الطاقة النووية غير عملية بسبب تكلفتها العالية وبطء تطويرها، مما جعل هذه الدراسة تواجه مراجعة تفصيلية على أيدي علماء متخصصين في جامعة النروج للعلوم والتقنية، لتأتي الاستنتاجات معاكسة لما أوردته شركة "ريستاد إنرجي" عن الطاقة النووية، وفوائدها المحتملة، بما في ذلك قابليتها للاستمرار كاستثمار خاص، ليسود الاعتقاد أن الشركة تعرضت للضغط بشكل أو بآخر لإصدار التقرير كما جاء في خبر لصحيفة "فردنز غانغ" (Verdens Gang) النروجية، الذي نشر أيضا ملابسات دراسة شركة "ريستاد إنرجي".
المُثير للريبة هو عدم تعقيب شركة "ريستاد إنرجي" حتى الآن على النقد الذي تعرضت له بسبب كتابة التقارير بطريقة تُفيد من له مصلحة ما لأخذ هذا التوجه، وخصوصا أن اقتصاد النروج يعتمد على صادرات النفط والغاز، مما يعزز هذه الفرضية. وقد دفع ذلك مديرة الجامعة النروجية للعلوم والتكنولوجيا إلى تقديم استقالتها بسبب احتمال وجود تواطؤ مع الشركة.
ثمة ما يدعو للريبة والاستغراب في تقرير "ريستاد إنرجي"، أكبر شركة نروجية مستقلة لاستشارات الطاقة، تتمتع بالاستقلالية والصدقية لدى أكبر شركات النفط
يدعو إلى الاستغراب صدور تقرير كهذا عن شركة مثل "ريستاد إنرجي"، مقرها أوسلو، تتمتع بالاستقلالية ومتخصصة في أبحاث وتحليلات الطاقة، نظرا إلى كون عملائها هم من شركات النفط العالمية وشركات الخدمات النفطية وشركات التمويل والمنظمات الدولية مثل "أوبك" و"وكالة الطاقة الدولية" و"البنك الدولي" وغيرها، مما يعني أنها من المفترض أن تتمتع بالنزاهة والحيادية طالما أن المنظمات الدولية الكبرى تتعامل معها.
تحليلات ووقائع غير حيادية
إلا أن التشكيك العلمي الحالي في نزاهة شركة "ريستاد انرجي" قد يُعيد النظر في دراسات الطاقة وتوقعاتها التي تُزودها الشركة للمنظمات الدولية، حيث يمكنها أن تنشر ما يُعطي انطباعات غير واقعية ذات تأثير مغالط او مشتّت (misleading) بناءً على توجيه من بعض الجهات، خلافا للحيادية التامة التي يجب أن تكون عليها تقارير المنظمات الدولية. تاليا، ليس معلوما ما إذا كان هذا الخبر سوف يعيد النظر في تعامل المنظمات الدولية المستقبلي مع شركة "ريستاد إنرجي".
كما تشكك هذه الواقعة في نزاهة الشركات الاستشارية الأخرى في دراسات وتوقعات الطاقة لشبهة عدم التزامها الحياد، وحقيقة امتلاكها نماذج دقيقة لتوقعات العرض والطلب. يدفع ذلك بالكثيرين الى التساؤل حول دقة تقارير أخرى في مجال الطاقة مثل تغير المناخ ونسبة الانبعاثات الكربونية وغيرها.
تساؤلات إذا كان التشكيك في نزاهة الشركات الاستشارية سينسحب على توقعات ودراسات المنظمات الدولية للطاقة
إضافة إلى ما سبق، تطرح هذه المسألة تساؤلات عديدة، منها ما إذا كانت هذه الأخطاء مقصودة، بنشر معلومات غير مطابقة للواقع، وما إذا كان التشكيك في نزاهة الشركات الاستشارية سينسحب على توقعات ودراسات المنظمات الدولية للطاقة، وما إذا كانت ستتم مقارنة الدراسات والتوقعات السابقة لهذه الشركات بالنتائج اللاحقة وملاحظة الفرق.
كذلك تطرح السؤال عن مستقبل الشركات الاستشارية للطاقة بعد هذه الحادثة التي تصل الى مستوى الفضيحة، وهل حان الوقت للتساؤل عما إذا كان نموذجا الطاقة العالميان لـ "وكالة الطاقة الدولية" ومنظمة "أوبك" (World Energy Model) اللذان بدأ استخدامهما منذ عقود، لا يزالان يعملان بفاعلية، أم يتم الاعتماد على دراسات وتوقعات الشركات الاستشارية لدراسات الطاقة، وهل هناك احتمال تدخل العنصر البشري في التعديل المقصود لهذه النماذج من الشركات؟
من البديهي والأخلاقي، وانطلاقا من مبدأ الموضوعية والحياد العلمي، يُفترض ألا تؤثر أي عوامل على حيادية تقديم دراسات وتوقعات الطاقة من الجهات الاستشارية، التي يجب ألّا تتبنى توجهات العملاء، فمثل هذا السلوك قد يكون ذا تأثير سلبي يصل إلى حد الكارثة كون أسواق الطاقة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد العالمي.
لا شك في أن الوقود الأحفوري كان ولا يزال بمثابة المحرك الأساسي للإبداع والتقدم البشري الذي يعتمد على الابتكار والطاقة
من المهم أيضا إدراك حقيقة أن الدراسات الاستشارية هي للإستئناس في المقام الأول وليس لاستخدامها كخريطة طريق، خصوصا اننا نعيش في عالم سيحكمه الذكاء الاصطناعي قريبا، القائم فعلياً على الأساسيات (fundamentals) والذي قد لا يتأثر كلياً بالمعنويات، ولن يُعطي أي انطباعات خاطئة وإن كانت قاسية، وسيكون أكثر دقة في توقعاته وبعيدا من أي محاولات للتلاعب بالتوجهات.
لا شك في أن الوقود الأحفوري كان ولا يزال بمثابة المحرك الأساسي للإبداع والتقدم البشري الذي يعتمد على الابتكار والطاقة المتوفرة بأسعار معقولة. هو لا يحتاج، تاليا، إلى أي دفاع غير أخلاقي. استخدم الوقود الأحفوري في تحقيق التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، وارتبط تزايد الطلب على استخدام الوقود الأحفوري بكل مقياس إيجابي لمتطلبات الانسان ورفاهيته - من التغذية إلى الوصول إلى المياه النظيفة والدفء والأمان. كما أظهرت العقود القليلة الماضية هذا التوجه بشكل واضح عندما تزايد استخدام الوقود الأحفوري بشكل مُطّرد في جميع أنحاء العالم.