شكل اغتيال الزعيم السنّي رفيق الحريري عام 2005، نقطة تحول في تاريخ لبنان السياسي أوصلنا إلى حقبة جديدة عُرفت بـ"الشيعية السياسية". ومنذ ذلك الحين، يواجه المكون السنّي تحولات تاريخية كان آخرها انسحاب سعد الحريري وتيار المستقبل من الحياة السياسية عام 2022، فأضحت الطائفة السنيّة تفتقد إلى القيادة السياسية ومشرذمة في الداخل والخارج.
ساهمت مجموعة عوامل في تراجع الزعامة السنيّة، كان أبرزها تقدم "محور الممانعة" بقيادة إيران في المنطقة، في مقابل تراجع المحور المقابل. فجاء اجتياح بيروت عام 2008، ليظهر مدى قوة "حزب الله" وتحكمه في مرافق الدولة الحيوية ومنها مطار بيروت، مقابل ضعف مؤسسات الدولة، ما أوصل إلى "اتفاق الدوحة" وبداية مرحلة التنازلات من قبل القيادة السنيّة.
وفي العام 2016 جرت التسوية الرئاسية، وقد تم في سياقها ربط النزاع مع "حزب الله" حول سلاحه، وترافق ذلك مع تورط الدائرة المقربة من الزعامة السنيّة في صفقات المحاصصة والفساد؛ فأصبح مركز رئاسة الحكومة السنّي يدور في فلك "محور الممانعة". ترافقت هذه التنازلات مع تدهور علاقة الزعامة السنيّة مع دول عربية، ووقف للمساعدات الخارجية، وتصفية شركة "سعودي أوجيه" العائدة لسعد الحريري؛ كما نشير إلى أنه- باستثناء "مستقبل ويب"، و"إذاعة الشرق"- لم يبق من إمبراطورية الحريري الإعلامية، أية مؤسسة، بعد أن أعلن تعليق العمل في تلفزيون "المستقبل" بعد 26 عاما من تأسيسه، معللا قراره بأسباب مادية. أما عن مؤسساته الاجتماعية والتربوية، فقد أغلق معظمها، وما تبقى منها تم تسليمه لرئيس "جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية" أحمد هاشمية، الذي وقع اتفاق تفاهم مع "مؤسسة الحريري" برئاسة نازك الحريري، تسلم بموجبه الإدارة المالية والتربوية لجميع المدارس التابعة للمؤسسة في بيروت.
الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات، حول مدى انعكاس تدهور الوضع السياسي على الدور الاقتصادي والاجتماعي للطائفة السنيّة في لبنان، بخاصة مع الانهيار المالي الذي شهده البلد بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
لقد أدت الانتفاضة المذكورة إلى تقديم سعد الحريري لاستقالته من رئاسة مجلس الوزراء، ووصل بعده حسان دياب مفتقدا لأي حيثية شعبية ومدعوما من "محور الممانعة"، وهو الذي أعلن في مارس/آذار 2020 قرار الحكومة اللبنانية التوقف عن تسديد ديون لبنان من اليوروبوند لأول مرة في تاريخه. وقد اعتمدت حكومة حسان دياب ومن بعدها حكومة نجيب ميقاتي سياسات دعم السلع الأساسية والمحروقات والدواء من خلال توفير العملة الصعبة (الدولارات) من مصرف لبنان، حيث اتسمت هذه السياسات بضعف الفعالية وارتفاع الكلفة، وصبت في مصلحة التجار والمستوردين والمحتكرين (المقربين- بطبيعة الحال- من الشيعية السياسية) بدلا من دعم المواطنين والأُسر المحتاجة، كما شجعت تلك السياسات التهريب إلى سوريا.