منذ أفلاطون والفلسفة تطرح السؤال عما إذا كان يمكن للفن أن يقول الحقيقة، أم أنه مجرد مصدر لذة، أم هو يجمع بينهما فيعلّمنا حقيقة وضعنا.
فهِم أفلاطون المحاكاة التي يعتمدها العمل الفني على أنها مجرد محاكاة للمظاهر، فهي مظهر المظهر. من هنا استصغار صاحب "الجمهورية" للفن وتقليل شأنه. فالصورة الفنية بالنسبة إليه لا تطابق الوجود ولا ترقى إلى المثال، كما أنها لا تطابق حتى الموجود والشيء الممَثَّل. إنها ليست إلا انعكاسا في مرآة، ووهما أجوف.
الفنان عند أفلاطون لا يرقى حتى إلى مستوى الصانع، لكونه لا يصنع سوى صور. الصانع يصنع سريرا، أما الفنان فيمثّل السرير، ليس كما هو، بل كما يظهر. لذلك تقول محاورة "الجمهورية": "الشاعر والفنان ليس لديهما علم ولا رأي صائب عن الأشياء التي يحاكونها".
هذا الموقف، الذي أرسى أفلاطون أسسه، جعل السؤال عما هو العمل الفني، سؤالا مقصيا في الفلسفة لمدة طويلة. كان ينبغي انتظار هيغل، أو قبله بقليل مع النزعة الرومانسية، وقبلها مع ديدرو، لكي يُنظر إلى العمل الفني كنوع من المعرفة. وقد تمخّضت عن ذلك نتائج أساسية. فلشدة ما وقع تأكيد محتوى الحقيقة، وقع إهمال الشكل الحسي و"مادة" العمل الفني. هكذا ظلت الثنائية الأفلاطونية تعمل عملها. وحدها الفينومينولوجيا، وخصوصا مع ميرلوبونتي، ستتكلم في ما بعد عن الطابع الجسدي للعمل الفني.