"حماس" ونتنياهو... النصر والتاريخ

لن يكون مفاجئا ان يعلن الطرفان أنهما "منتصران"

"حماس" ونتنياهو... النصر والتاريخ

من الممكن أن يخرج الطرفان من حرب غزة "منتصرين". لن يكون مفاجئا أن تعلن "حماس" أنها "انتصرت"، وأن يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه حقّق "أهدافه".

ما يعتبره نتنياهو "نصرا"، ليس بالضرورة لـ"حماس" أن تعتبره "هزيمة". وما يعتبره الأول "حرب استقلال ثانية"، لا يعني في الوقت ذاته أن يسميه الطرف الثاني "نكبة". لكل منهما، فلسفته في عمق التاريخ وعمر الجغرافيا ومعيار القوة.

هنا بعض الأمثلة من تاريخ الصراع العربي– الإسرائيلي:

بعد حرب عام 1967، التي أسفرت عن احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان السورية وسيناء المصرية، قال الرئيس جمال عبدالناصر في ذكرى "ثورة يوليو" بعد أسابيع من الهزيمة: "العدو لم يحقق هدفه باحتلال الأرض، لكن العدو يريد أن يحقق هدفه بالقضاء على الثورة العربية، ثم بالقضاء على الأمل العربى"، أي "ثورة يوليو" التي تسلم عبدالناصر الحكم بموجبها في النصف الأول من الخمسينات. وأضاف: "العدو احتل سينا... الثورة موجودة، إحنا قلنا حناضل وحنحرر بلدنا، حنحرر الأرض العربية".

رحل عبدالناصر، ولم تتحرر سيناء. جاء بعده الرئيس محمد أنور السادات وخاض مع نظيره السوري حافظ الأسد "حرب أكتوبر" عام 1973. استعاد السادات سيناء في اتفاقات كامب ديفيد للسلام نهاية السبعينات بعد اتفاقات عاجلة لـ"فصل القوات".

 ما يعتبره نتنياهو "نصرا"، ليس بالضرورة لـ"حماس" أن تعتبره "هزيمة". وما يعتبره الأول "حرب استقلال ثانية"، لا يعني في الوقت ذاته أن يسميه الطرف الثاني "نكبة

أما وزير الخارجية السوري الراحل إبراهيم ماخوس، فنقل عنه قوله بعد "حرب يونيو" 1967 التي فقدت فيها دمشق هضبة الجولان وقراها، ونزح أهلها: "ليس مهمّا أن نخسر المدن، لأن العدو هدفه القضاء على الثورة"، أي "ثورة آذار" في مارس 1963 التي تسلم فيها حزب البعث الحكم في دمشق. غادر ماخوس سوريا بعد تسلم الأسد الحكم في 1970 الذي فاوض الإسرائيليين عبر الأميركيين، واستعاد مدينة القنيطرة المدمرة بموجب اتفاق "فك الاشتباك" مع تل أبيب عام 1974.

اقرأ أيضا: غزة وأهلها بين حدين

وهناك نموذج آخر، جرى في لبنان بعد "حرب تموز" 2006، إذ تعرّض لبنان لدمار كبير في حرب انتهت بصدور القرار 1701، وكان له وجهان: وجه دبلوماسي، تضمّن نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، وانسحاب "حزب الله" شمال النهر، وهو أمر لم يتحقق وتجري مفاوضات سرية حاليا برعاية أميركية لتحقيقه. ووجه واقعي، تجسد بسيطرة "حزب الله" على القرار في بيروت واتساع نفوذه السياسي في لبنان ووراء الحدود، مقابل الالتزام بـ"قواعد الاشتباك" في جنوب لبنان.

لا شك أن هذه الحرب مختلفة لأسباب كثيرة. نتنياهو مأزوم داخليا وملاحق قضائيا. إسرائيل تعتبرها "حربا وجودية" لأن "حماس" شنّت هجوما داخل أراضيها في أول سابقة من نوعها منذ 1948

منذ تسلمت "حماس" السيطرة في قطاع غزة عام 2007، جرت خمس حروب مع إسرائيل، كانت تشمل غارات وقصفا وقتلى وصواريخ وتنتهي بهدنة، قالت "حماس" بعد كل واحدة منها، إنها "انتصرت". السلطة في غزة لـ"حماس" مقابل التزام شروط الهدنة و"قواعد الاشتباك".

اقرأ أيضا: بايدن ونتنياهو... رضوخ ونصائح

لا شك أن هذه الحرب مختلفة لأسباب كثيرة. نتنياهو مأزوم داخليا وملاحق قضائيا. إسرائيل تعتبرها "حربا وجودية" لأن "حماس" شنّت هجوما داخل أراضيها قتل فيه 1200 إسرائيلي في أول سابقة من نوعها منذ 1948، وكسرت "فكرة إسرائيل"، من أنها دولة آمنة وملاذ لليهود وتملك قوة ردع حاسمة في الإقليم. ولهذه الأسباب، حصلت على دعم عسكري استثنائي من أميركا ودول غربية ومن الرئيس الأميركي جو بايدن. كما أن نتنياهو كسر "خطوطا حمراء" إسرائيلية، بينها استمرار الحرب والاستعداد للتضحية بعشرات الأسرى العسكريين الموجودين لدى "حماس" وتحمّل مقتل 122 جنديا إلى الآن. ببساطة، مصيره مرتبط بمصير الحرب. إنها حرب وجودية.

نتنياهو و"حماس" يريدان الذهاب في هذه الحرب إلى آخر محطة. هي "حرب بقاء". قد تكون نهاية نتنياهو المحكمة والتحقيق كما حصل مع أسلافه بعد حروبهم. وقد تكون نهايتها "حماس جديدة"

مختلفة أيضا بالنسبة إلى "حماس"، ذلك أن نتنياهو أعلن نيته "تدمير بنية حماس"، و"استعادة الردع"، وشنّ حربا غير مسبوقة على قطاع غزة وأهله، أسفرت عن مقتل نحو عشرين ألف مدني معظمهم من النساء والأطفال، وتشريد نحو 1.3 مليون فلسطيني، وتدمير 60 في المئة من قطاع غزة، وسط تقديرات بأن تصل كلفة الإعمار إلى 40 مليار دولار. كما أسفرت عن مقتل قياديين وعناصر من "حماس". ببساطة، مصير "حماس" مرتبط بمصير الحرب.

صحيح أن نتنياهو و"حماس" يريدان الذهاب في هذه الحرب إلى آخر محطة. هي "حرب بقاء". قد تكون نهاية نتنياهو المحكمة والتحقيق كما حصل مع أسلافه بعد حروبهم. وقد تكون نهايتها "حماس جديدة".

لكن لن يكون مفاجئا أن يعلن كل منهما من فوق ركام غزة ومن أمام خيم النازحين وحافلات اللاجئين وجثامين الأسرى والقتلى وحطام الصواريخ، أنه "انتصر"... أو أنها مجرد "نكسة" في حرب طويلة وممتدة منذ عقود خلت وإلى عقود قادمة.

لم لا؟ طالما أن كلا منهما يلاعب الجغرافيا ويتحدث مع التاريخ.

font change