وجه آخر لمعاناة غزة...تضاعف أسعار السلع التموينيةhttps://www.majalla.com/node/306386/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%BA%D8%B2%D8%A9%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D9%81-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
غزة- "كنا اعتدنا قبل الحرب على شراء الخبز من المخابز مباشرة، وحتى بداية الحرب. لكن مع انقطاع الغاز، واستهداف المخابز، وارتفاع أسعار الدقيق والخميرة، وإغلاق المخابز أبوابها، اضطررنا إلى أن نخبز في المنزل بتكاليف تتجاوز 4 أضعاف السعر العادي".
هكذا يصف الغزي عبد الحكيم عبد العال حياته مع البحث عن الخبز وتوفيره لأسرته كواحد من السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها خلال الوجبات اليومية الرئيسة.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هرع السكان إلى المجمعات التجارية والمحال للتزود بالمواد الأساسية التموينية من دقيق وأرز وسكر ومُعلبات غذائية بكميات كبيرة تكفي حاجة الأسرة لأسابيع قادمة تحسبا لانقطاعها وارتفاع أسعارها إذا ما شحت في الأسواق وعدم قدرة الأسر على الحركة والتنقل لتوفير المأكل والمشرب لأطفالها. إلا أنه لم يكن بحسبانهم استمرار الحرب لأكثر من شهرين.
كان قطاع غزة قد تعرض في السابق لعدد من الحروب والاعتداءات والاجتياحات الإسرائيلية البرية، حيث استمرت أطول حرب سابقة 51 يوما عام 2014، لكنها لم تجبرهم على النزوح القسري من مدنهم. بعض المناطق كانت تنزح إلى مناطق أخرى داخل المدينة وحسب أو من دُمّر منزله بسبب القصف الإسرائيلي ما يضطره للنزوح إلى مراكز الإيواء– المدارس- التي كانت تستقبلهم حتى انتهاء الحرب.
بدأت المواد التموينية تشح في الأسواق، ما فتح المجال أمام بعض التجار لرفع الأسعار، خاصة السلع الأكثر طلبا في السوق، مثل الدقيق والخميرة والملح والسكر والمعلبات الغذائية
بعد عمليات شراء البضائع التموينية بكميات كبيرة من قبل المواطنين، اضطر التجار إلى فتح المخازن المتكدسة بالبضائع وتزويد المجمعات التجارية بالكميات المطلوبة في السوق تلبية لحاجة السكان، لكن بعد قرابة أسبوع من انطلاق شرارة الحرب، بدأ الجيش الإسرائيلي مطالبة السكان بالنزوح وإخلاء مدينة غزة وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا شمالي القطاع، إلى النصف الجنوبي منه، ما دفع بعض السكان إلى الإخلاء الفوري تحت وقع الضربات الإسرائيلية العسكرية الكثيفة، دون قدرتهم على حمل ما عملوا على تخزينه من مواد تموينية.
لجأ السكان إلى مدن ومخيمات جنوبي غزة، واضطروا إلى شراء مواد تموينية مرة ثانية تكفيهم لعدة أيام، اعتقادا منهم أنها مجرد أيام معدودة وسيعودون إلى منازلهم مرة أخرى. عبد العال (61 عاما) كان واحدا من أرباب الأسر الذين اضطروا لترك منزلهم بكافة محتوياته والفرار من غزة هربا من القصف الإسرائيلي وخوفا على أبنائه وأحفاده وأسرهم، حيث لجأوا إلى مدينة دير البلح جنوبا، يقول: "كنت اشتريت دقيق وسكر ومعلبات واحتياجات عدّة، كنت باعرف قدامنا وقت ولازم أمون البيت منيح حتى ما ننقطع، لكن اضطرينا نترك كل إشي ونرجع نتمون من جديد".
بدأت المواد التموينية تشح في الأسواق، ما أتاح المجال أمام بعض التجار لرفع الأسعار، خاصة السلع الأكثر طلبا في السوق، مثل الدقيق والخميرة والملح والسكر والمعلبات الغذائية، حتى وصل الأمر إلى رفع أسعار المشروبات الغازية والبسكويت أيضا. يشير عبد العال، إلى أنهم بدأوا بالتخلي عن بعض المسليات واقتصار شرائهم على القليل منها للأطفال، لكن مع طول الحال، وانقطاعها وارتفاع أسعارها اضطروا للتخلي عنها نهائيا. ويضيف: "الشيبس زاد سعره أكتر من 4 أضعاف سعره الطبيعي، والكولا والشوكولاته والبسكوت، والموضوع أضاف عبئا علينا. كيف بدنا نرضي الأطفال ونسكتهم بعد ما كانوا معتادين على شرائها".
مع توقف المخابر، أصبح الطلب أكبر على بيع وشراء الدقيق في الأسواق، حيث كان المواطنون يضطرون إلى إعداد الخبز في المنزل
المشكلة الأكبر كانت في المواد التموينية الأساسية، دونها لن يستطيعوا الاستمرار والبقاء على قيد الحياة، ومع إعلان الحكومة الإسرائيلية إغلاق المعابر ومنع نقل البضائع ومنها المحروقات وغاز الطهي، وقطع الكهرباء عن قطاع غزة، منذ بداية الحرب، تفاقمت أزمة المخابز، عدا عن الطوابير الطويلة التي كانت تصطف أمام أبوابها "كان ابني يقف في طابور الخبز منذ ساعات الصباح حتى يصل دوره مع ساعات العصر، يقضي يوما كاملا لشراء بعض أرغفة الخبز حتى توقفت المخابز عن العمل".
مع توقف المخابر، أصبح الطلب أكبر على بيع وشراء الدقيق في الأسواق، حيث كان المواطنون يضطرون إلى إعداد الخبز في المنزل، ما رفع أسعار الدقيق من قرابة 13 دولارا لكل 25 كيلوغراما من الدقيق، إلى أكثر من 120 دولارا للكمية نفسها، وفي بعض الأحيان تجاوز سعرها 150 دولارا، هذا عدا عن رفع سعر الغاز– إذا توفر- من 20 دولارا لكل 12 كيلو إلى أكثر من 100 دولار للكمية نفسها، ورفع سعر الخميرة من دولار ونصف الدولار إلى 10 دولارات، وحتى الحطب والأخشاب التي استخدمها المواطنون كبديل لإشعال النار للخبز والطبخ في منازلهم، ارتفع سعر الكيلوغرام منها من أقل من ربع دولار إلى دولار... "بل ان الملح، وهو مكون أساسي في الطعام، ارتفع سعره من ربع دولار للكيلو الواحد، إلى دولارين لكل 100 غرام، هذا جنون من البائعين والمستغلين لحاجة الناس، في الوقت الذي نتعرض فيه للقتل المتعمد من قبل إسرائيل وجيشها، إضافة إلى النزوح والتشرد وخسارة منازلنا وأعمالنا"، يقول عبد العال.
وفي الوقت الذي تعمدت فيه إسرائيل إغلاق المعابر وبالتحديد التجارية منها، سمحت بعد قرابة شهر، بدخول شاحنات مُحملة بالمساعدات الإغاثية عن طريق معبر رفح البري مع مصر، وهي الشاحنات التي كانت قد أرسلتها دول ومؤسسات عربية كدعم للغزيين، وبالطبع لم يكن السماح لدخولها بالأمر السهل، بل جاء بعد عدة ضغوط دولية وعربية لتتمكن المؤسسات من إدخال عدد بسيط من الشاحنات يوميا لا يتجاوز 20 شاحنة، كانت غالبيتها محملة بعبوات المياه الصالحة للشرب وبعض المعلبات والمستلزمات الطبية.
كما أدخلت فيما بعد "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (الأونروا)، ومؤسسات دولية أخرى، الدقيق والعدس والسكر وعملت على توزيعها للنازحين قسرا، إلا أن عمليات التوزيع كانت تسير ببطء بسبب عدم قدرة تلك المؤسسات على الحركة تحت وقع القصف والمنع من الوصول لبعض المناطق، إضافة إلى حاجة المواطنين المُلحة للمواد الأساسية والغذائية، عدا عن تعمد بعض البلطجية سرقة المواد التموينية من مخازن وكالة "الأونروا" وبيعها في الأسواق بأسعار وصفها المواطنون بـ"الجنونية".
تجاوزت نسبة الفقر أكثر من 65 في المئة، إلى جانب عدم قدرة الغالبية منهم على السحب من أرصدتهم البنكية بسبب استهداف عدد من البنوك
يوضح عبد العال، أن ارتفاع الأسعار في الوقت الذي توقفت فيه الأعمال وعدم قدرة المواطنين على توفير قوت يومهم، فاقم الأزمة. ويضيف: "أنا موظف متقاعد، لدي راتب بالكاد كان يكفي، من أين سأوفر كل تلك المصاريف وتضاعفها، كما أن غالبية أبنائي يعملون في شركات تجارية توقفت عن العمل، وخسر أصحاب تلك الشركات أعمالهم، في الشهر الأول تسلموا نصف رواتبهم لكن صاحب العمل لم يتمكن من الدفع لهم في الشهر الثاني".
لم تعد مشكلة المواطنين الغزيين تكمن في توفير الطعام والشراب، هذا إن وجد وتوفر في الأسواق، بل إن شبه انعدام مصادر الدخل في ظل الحرب، وتجاوز نسبة البطالة إلى أكثر من 60 في المئة في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه قرابة مليونين و300 ألف نسمة منذ ما قبل الحرب، بحسب الإحصائيات والبيانات الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فيما تجاوزت نسبة الفقر أكثر من 65 في المئة، إلى جانب عدم قدرة الغالبية منهم على السحب من أرصدتهم البنكية بسبب استهداف عدد من البنوك، أو تضرر الصرافات الآلية وتوقفها عن العمل بسبب القصف القريب من مكان وجودها، وعدم قدرة البنوك على تزويدها بالأموال النقدية.
وعمل جهاز مباحث التموين التابع لحركة "حماس" في قطاع غزة، على محاولات ضبط ارتفاع الأسعار في الأسواق من خلال جولات ميدانية وضبط وإحضار البائعين، وصلت إلى حد إجبارهم على بيع البضائع بأسعار قريبة من الأسعار الطبيعية، بالإضافة إلى ملاحقة البلطجية الذين يتعمدون سرقة المخازن التي تستقبل المساعدات الإغاثية من الخارج، إلا أنّ الجهاز لم يتمكن من فرض سيطرته على الأسواق وضبط حالة ارتفاع الأسعار التي أرهقت كاهل الغزيين المرهقين بفعل القتل والدمار من قبل الجيش الإسرائيلي.
يقول عبد العال: "الواحد صار يخاف ما يموت من الصواريخ بل يموت من الجوع، أجسادنا ضعفت ومناعتنا أصبحت في حالة يرثى لها بسبب تقنين الأكل نتيجة ارتفاع الأسعار، وهذا إن توفر في جميع الأوقات".