سلطت الحرب الجارية في غزة الضوء على الفجوة المتزايدة الاتساع بين المجتمعات العربية وحكوماتهم من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، وأبرزت التناقض الملحوظ في الخطاب الغربي فيما يتعلق بهذا الصراع؛ ففي البداية، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي خلف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، قبل أن يشيرا لاحقا بشكل خجول للمظلومية الفلسطينية.
وعلى الرغم من كون هذا التحول قصير الأمد وعابرا، فهو يشير إلى إمكانية اتباع استراتيجية أكثر توازنا في الغرب؛ استراتيجية تعطي الأولوية للحفاظ على الأرواح، والمساواة في الحقوق، والسلم المستدام.
لم تكن العملية العسكرية الإسرائيلية المكثفة وغير المتناسبة على غزة بعد هجوم حماس سببا في تحفيز المجتمعات العربية والإسلامية فحسب، بل إنها خلقت أيضا حركة عالمية متنامية تنادي بوضع حد لمعاناة الفلسطينيين. ويتجلى ذلك من خلال التعبئة الجماهيرية المتصاعدة في الشرق الأوسط، وانتشارها عالميا، حيث شهدت مدن كبرى مثل عمّان وبغداد وبيروت والقاهرة والدوحة والكويت والمنامة ومسقط والرباط، بالإضافة إلى مدن أخرى، احتجاجات كبيرة ضد الإجراءات الإسرائيلية والاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية. هذا الغضب الشعبي العربي يذكرنا بحدثين بالغي الأهمية: الربيع العربي والانتفاضة الثانية، عندما أدت المظلوميات التي طال أمدها إلى دعوات واسعة النطاق للتغيير.
حدثت نقطة التحول الأساسية في أعقاب قصف المستشفى الأهلي في غزة والغزو البري الذي تلا ذلك. وقد حفز هذا الحدث كثيرا من الحكومات العربية على تكثيف خطاباتها وأفعالها، بما يتماشى بشكل أوثق مع السخط المتنامي في الشارع العربي. وتضمنت الخطوات إدانات واضحة، والدفع بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار ووصول مساعدات غير مشروطة لغزة، بالإضافة إلى مواقف دبلوماسية شملت سحب السفراء أو التلويح بذلك، والقيام بجولة في عواصم العالم لتعزيز موقف عربي إسلامي موحد بشأن إنهاء الأعمال العدائية، والإسراع بالتوصل إلى هدنة إنسانية من خلال الوساطة القطرية المصرية. ومؤخرا، قدمت الإمارات مشروع قرار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.