الشائع راهنا أن سنّة لبنان يعيشون اليوم أسوأ أزمنتهم، فيما يواصل لبنان تصدعه السياسي وتصدع مؤسسات دولته وانهياره المالي والاقتصادي. ناهيك عن استرسال تمزق الأواصر والروابط بين جماعاته الطائفية المتنابذة، حتى لم يعد من جامع أو ناظم "وطني" لتطلعاتها وخياراتها وولاءاتها السياسية والأمنية المتضاربة.
والحق أن الجماعات اللبنانية صنعت لانتمائها إلى لبنان ولأدوارها فيه سرديات وتوجهات متباينة، منذ نشوء الدولة اللبنانية المعاصرة الهشة (1920). وقبل اتفاق الطائف (1989) الذي أوقف الحروب الأهلية الإقليمية الملبننة (1975-1990) شاعت مصطلحات صارخة في تعبيرها عن تلك التباينات: المارونية السياسية التي صاغها الراحل منح الصلح (1928- 2014) في بدايات الحرب، ثم السنيّة السياسية، والشيعية السياسية، اللتين تكرستا في الإعلام والحياة السياسية العامة بعد الطائف.
الموارنة وكثيرون سواهم يرون أنهم رواد نشأة "الفكرة اللبنانية" وتأسيس الكيان السياسي والدولة اللبنانيين المستقلين (عن البلدان العربية والعروبة، وتوقا إلى صلة حميمة بالغرب، ضمنيا). وترى السنيّة السياسية نفسها ويرى آخرون سواها أنها امتداد للعرب والعروبة في لبنان، وخصوصا في حقبتها الناصرية المتأججة (1956-1967) وفي حقبتها الفلسطينية التي مثلتها منظمة التحرير بزعامة ياسر عرفات (1968-1982). وكثيرا ما يقال إن سنّة لبنان شعروا باليتم لحظة وفاة جمال عبدالناصر (1970). ولكنهم سرعان ما عوضوا يتمهم ذاك ببروز حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة التي راح يقال إنها "جيش السنّة في لبنان". لكن ذلك اليتم السنّي سرعان ما عاد أشد مضاضة على أهله بعد ترحيل الجيش الإسرائيلي ياسر عرفات من بيروت صيف 1982. وهذا بشهادة كثيرين يرون أن السنّة ليسوا عصبية مقاتلة، مقارنة بالمارونية في عهد "القوات اللبنانية" ومؤسسها بشير الجميل (1947-1982) في خضم حرب السنتين (1975-1976). وكذلك مقارنة بحزب الحرب الدائمة، "حزب الله" الشيعي الناشئ رسميا سنة 1985. واستمر يتم السنّة راعفا حتى اتفاق الطائف، حين خلصتهم منه الزعامة السياسية التي بناها رفيق الحريري في زمن السلم اللبناني بوصاية سورية، إلى أن راح الحريري يتملص من تلك الوصاية، فاغتيل سنه 2005.