"فضيحة الشاي" تهز إيران... حكومة رئيسي تقلب الحقائق؟https://www.majalla.com/node/306291/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%8A-%D8%AA%D9%87%D8%B2-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%9F
لندن- أثارت فضيحة مدوية قدرت بـ3 مليارات و370 مليون دولار لصفقات مشبوهة في استيراد الشاي جدلا كبيرا في الشارع الإيراني، وحظيت بمتابعة إعلامية واسعة في طهران، فوصفتها الصحف المقربة من الإصلاحيين والمستقلين بـ"الزلزال"، فيما سارعت الصحف المقربة من حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى تبرئتها من هذه الفضيحة بقولها إنه تم الكشف عن هذه الصفقات المشبوهة في فترة رئيسي، موجهة أصابع الاتهام إلى حكومة الرئيس حسن روحاني السابقة، إذ ذكرت أن بدايات هذه الفضيحة كانت في عهدها.
وأعلن ذبيح الله خدائيان رئيس هيئة التفتيش العامة في البلاد يوم 2 ديسمبر/كانون الأول عن اكتشاف فساد بملیارات الدولارات في استيراد الشاي. ولم يكشف خدائيان عن اسم الشركة المعنية أو أسماء الأشخاص المتورطين في هذا الاختلاس، غير أن صحیفة "اعتماد" وصحفا إصلاحية أخرى كشفت عن عدد من المتورطين في هذه الفضيحة التي قامت بها شبكة واسعة ومنظمة للفساد والنهب. والمجموعة التجارية الرئيسة المعنية في هذا الاختلاس هي "مجموعة زراعة وصناعة دبش" برئاسة أكبر رحيمي.
وذكرت صحيفة "اعتماد" أنه "تم ذكر أسماء أشخاص آخرين على مستوى المديرين في وزارة الزراعة والمصرف المركزي ومؤسسات حكومية أخرى، مثل: هيئة تنمية التجارة، وهيئة الغذاء والدواء، وغيرهما، تورطوا في ملف الفساد هذا". وأوردت وكالة "فارس" للأنباء نقلا عن رئيس هيئة التفتيش العامة أن "المتورطين في هذا الملف متهمون بأنهم أخذوا عملات أجنبية لكنهم لم يستوردوا بضائع إلى إيران... فقد تم تخصيص 3 مليارات و370 مليون دولار من العملة المدعومة حكوميا لمجموعة تجارية لاستيراد الشاي والآلات ولكن قسما كبيرا من هذه العملة تم بيعها بسعر مرتفع في السوق الموازية بدلا من استيراد الشاي".
حجم الصفقات المشبوهة راهنا أكبر بكثير من ملفات الاختلاس والفساد الاقتصادي التي تم كشفها خلال الأعوام الأخيرة
صحيفة "اعتماد"
وقالت صحيفة "اعتماد" إن "النهب الكبير في قضية استيراد الشاي بدأ عام 2018، وقامت الشركة الفاسدة المذكورة بتسجيل طلب لشراء شاي بجودة عالية من الهند باسم (دارجلينج) بـ14 دولارا للكيلوغرام، ولكن في الواقع قامت باستيراد شاي من الدرجة الثانية من كينيا، وأعادت استيراد الشاي الإيراني من الدرجة الثانية المعد للتصدير بنحو دولارين". وأوضح خدائيان أن "هذه المجموعة لم تف بالتزاماتها بمليار و400 مليون دولار من العملات المستلمة ولم تستورد أي بضائع إلى البلاد". وأضافت صحيفة "اعتماد" أنه "تم تخصيص 79 في المئة من النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الشاي لهذه المجموعة التجارية".
ونقلت صحیفة "كيهان" المقربة من المرشد علي خامنئي في تقرير لها عن رئيس مكتب التفتيش التابع لمؤسسة الرئاسة، حجة الإسلام درويشيان، أن "الحكومة تدخلت في الوقت المناسب ومنعت الفساد، وتم اعتقال المشتبه الرئيس في هذا الملف".
كما نقلت "كيهان" في تقريرها المنشور يوم 4 ديسمبر/كانون الأول عن علي بهادري جهرمي المتحدث باسم الحكومة قوله إنه "تم حتى الآن تشكيل 20 ملفا لدى الجهات القضائية وتم عزل 60 مديرا، بعد الكشف عن هذا الفساد الكبير".
إلى ذلك، شنت صحيفة "هم ميهن" في عددها الصادر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول هجوما على الإعلام التابع للحكومة، وذلك في تقرير بعنوان: "أصابع الاتهام موجهة إلى الذين يزعمون أنهم يكافحون الفساد"، بقلم إلهة إبراهيمي. وسألت إبراهيمي: "لماذا لم تكشف وسائل الإعلام الموالية للحكومة كل الحقيقة حول هذا الاختلاس، على الرغم من التقرير الصادر عن جهاز الرقابة؟".
وأضافت إبراهيمي: "لقد كُشفت فضيحة فساد واختلاس أخرى في البلاد، ولكن الفارق هو أن حجم الصفقات المشبوهة أكبر بكثير من ملفات الاختلاس والفساد الاقتصادي التي تم كشفها خلال الأعوام الأخيرة".
وعلى الرغم من الردود الشعبية والسياسية والاقتصادية الواسعة على هذه الفضيحة فإن السياسة الإعلامية للحكومة تستحق التوقف عندها؛ إذ يسعى الإعلام الموالي، بحسب إبراهيمي، إلى توجيه الرأي العام من خلال قلب الحقائق وأيضا توجيه رسائل الشكر إلى حكومة رئيسي لأنها كشفت عن هذه الفضيحة في حين أنها متورطة بشكل كبير فيها.
والسؤال هنا هو: ما الأهداف التي تسعى صحف على غرار "كيهان"، و"جوان"، ووكالات الأنباء المقربة من الحكومة إلى تحقيقها في ظل سهولة الحصول على المعلومات الصحيحة؟ هل تسعى هذه المنظومة الإعلامية الموالية إلى الضغط على أجهزة الرقابة لعدم مواجهة مسببي هذه الفضيحة في الحكومة الحالية لأنهم لم يتوقفوا عن تخصيص مبالغ هائلة من العملة للشركة المتورطة؟ والأهم من ذلك، لماذا يتم تجاهل مسألة في غاية الأهمية هنا، وهي أن السلطة القضائية في حكومة روحاني برئاسة رئيسي (الرئيس الحالي) تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية هذا الفساد؟
غياب الشفافية
ويقول الخبراء لـ"هم ميهن" إن "مكافحة الفساد يجب أن لا تأخذ أبعادا حزبية وفئوية، بل إن حكومتي روحاني ورئيسي تتحملان مسؤولية الفساد والصفقات المشبوهة في استيراد الشاي، وإن تم نحو 80 في المئة من هذه الصفقات في فترة الحكومة الحالية".
إلى ذلك، نشرت صحيفة "جوان" تقريرا يوم 4 ديسمبر/كانون الأول سألت فيه: "هل يعقل أن تتم هذه الصفقات المشبوهة الكبيرة في استيراد الشاي من دون علم عدد كبير من الوزراء ومحافظي المصارف المركزية وكبار المسؤولين في حكومة روحاني؟".
ويقول الخبير الاقتصادي هادي حق شناس في حوار مع "هم ميهن"، حول أسباب استمرار الصفقات المشبوهة، والفساد في استيراد الشاي في ظل حكومة رئيسي: "إن كافة الخبراء يتفقون على أن غياب الشفافية هو السبب الرئيس في الفساد الاقتصادي، والأهم من ذلك أن كثيرا من التوصيات والتوجيهات الإدارية والحكومية يشكل أرضية خصبة للفساد في إيران ومنها النظام متعدد الأسعار للعملة في البلاد".
ويضيف أن "الحكومة الحالية رفعت شعار مكافحة الفساد منذ وصولها إلى السلطة ولم تحقق هذا الهدف؛ فالقضاء على الفساد الاقتصادي يحتاج إلى حلول جذرية، منها: منع احتكار الأنشطة الاقتصادية من قبل شركة أو شخص واحد، لأن الاحتكار في القطاعات الاقتصادية يمهد للفساد".
وفي شأن الاتهامات الموجهة من قبل الإعلام الموالي للحكومة الحالية إلى الحكومة السابقة بتحميلها مسؤولية ملف "فضيحة الشاي"، يشير حق شناس إلى أن "كل الفضائح الاقتصادية التي تم كشفها خلال الحكومات المتعاقبة، ومنها الفضيحة الأخيرة، أخذت بعدا سياسيا".
وقال: "لا ينبغي أن نواجه هذه الصفقات والاختلاس الكبير الأخير بشكل سياسي، بل يجب مواجهتها اقتصاديا. يجب على الحكومة الحالية تقديم الحلول والخطط لمكافحة الفساد لعدم تكرار مثل هذه الصفقات المشبوهة".
يتصور بعض المسؤولين أن قوانين حق التجمع والاحتجاج وحرية الصحافة وضعت ليقولوا للعالم فقط إن إيران تتمتع بقوانين تقدمية
صحيفة "اعتماد"
وفي مقال بصحيفة "اعتماد" يوم 5 ديسمبر/كانون الأول بعنوان: "البعض يعتبر القوانين والحقوق البديهية للشعب مجرد ديكور"، يرى علي مجتهد زادة أن "على المسؤولين الإذعان بأن هناك مشكلة كبيرة؛ فالدستور ليس مجرد ديكور، وعندما تسود الأهواء الشخصية والسياسات الفئوية بدلا من الدستور لا تدعو عمليات الفساد المنظمة للاستغراب".
وقال: "يجب على المسؤولين الإذعان بأن هناك مشكلة تؤدي إلى استشراء الفساد بالشكل الذي رأيناه في فضيحة استيراد الشاي. إن الدستور الإيراني لا يعاني من النقص بل من تجاهل المسؤولين والمؤسسات لمضمون الدستور"، مشيرا إلى أن "الدستور الإيراني ينص على حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التجمعات الاحتجاجية وغيرها، ولكن هذه المواد الدستورية لا يتم تفعيلها".
وأضاف: "يبدو أن المسؤولين يتصورون أن الدستور تم وضعه للزينة والرفاهية ويجب أن نضعه جانبا، وقد يتصور بعض المسؤولين أن قوانين على غرار حق التجمع والاحتجاج وحرية الصحافة وغيرها وضعت لأهداف استعراضية أمام الدول الأخرى والمؤسسات الدولية إذا لزم الأمر ليقولوا للعالم فقط إن إيران تتمتع بقوانين تقدمية".
وتابع: "يبدو أننا أمام غياب للإرادة السياسية لإعادة البلاد على سكة الدستور. يسود الحكم بناء على الأهواء في إيران، وبالتالي لا يمكننا أن نقول إن سيادة القانون جارية في البلاد. ورأينا في ملف الفساد الأخير البالغ 3 مليارات و370 مليون دولار أن الحكومتين الحالية والسابقة متورطتان".
وختم بالقول: "لدينا حملات واسعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الخطاب الانتقادي حتى ولو كان بسيطا يواجه باتهامات على غرار الدعاية ضد النظام والتآمر عليه".