مرت أربع سنوات على طرح عملاق الطاقة شركة "أرامكو السعودية" أسهمها في السوق المالية السعودية (تداول) في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019، وهي الشركة العملاقة والرائدة بمؤشرات الفاعلية والموثوقية العالية والاستثنائية.
لم تُقدم المملكة العربية السعودية على إدراج "أرامكو"في السوق السعودية المحلية إلا بعدما تأكدت من جدوى هذا الاكتتاب في أسهم الشركة، لا سيّما أن هدفه مشاركة المواطن بنجاحها. كذلك، فإن قرار الاكتتاب داخلياً أولاً كان قرارا حكيما لأسباب عدة، ولكن من أهمها عدم الانكشاف لقوانين الأسواق الخارجية وأخطارها.
تُركّز مستهدفات رؤية السعودية 2030 على تحضير المملكة لتتبوأ مكانتها في عالم الغد كونها ضمن أقوى اقتصادات العالم، وكانت "أرامكو السعودية" من ضمن الملفات التي شملتها إصلاحات الرؤية، وهذا يتعدّى المنظور المادي –كما يظن كثيرون– بحكم مكانة المملكة باعتبارها المُورّد الأعلى موثوقية للنفط والعامل الأساس لاستقرار الاقتصاد العالمي.
خطوة استراتيجية قبل الاستثمار
منذ تأسيس شركة "أرامكو السعودية" (كانت تعرف سابقا بشركة الزيت العربية الأميركية – أرامكو)، حرص المؤسس الملك عبد العزيز في ذلك الوقت، على إشراك مواطني المملكة في ملكية الشركة، إيمانا منه بهذا الكيان الاستراتيجي للمملكة. وقد تحققت هذه الرؤية والاستراتيجيا الحكيمة على يد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في المرحلة المناسبة، إذ شكل طرح أسهم "أرامكو" للاكتتاب نظرة استراتيجية واعدة قبل أن يكون فرصة استثمارية ربحية.
"أرامكو السعودية" كانت قبل الطرح أكبر شركة نفط وطنية في العالم، والآلية الخاصّة بمثل هذا الاكتتاب هي الأولى من نوعها
الدولة هي الشريك الأكبر في ملكية أسهم الشركة، التي ستعمل في إطار شفاف ومحكم تُعلَن فيه القوائم المالية ويحاسب القائمين على الشركة عن أي خلل قد يؤدي الى الخسارة خصوصاً مع القفزات النوعية التي سيحققها الاقتصاد السعودي على المستويين المحلي والعالمي.
سطحية تحليلات الإعلام الغربي قبل بدء طرح "أرامكو"
سبق عملية طرح "أرامكو السعودية"منذ أربع سنوات، نشر الكثير من التحريض الإعلامي الغربي لملاحقة الحدث بتحليلات سطحية وفرضيات غير صحيحة، فقد روّجت منافذ هذا الإعلام لمقارنات غير منطقية بين شركة "أرامكو" وشركة "إكسون موبيل"، بغرض خفض قيمة "أرامكو" السوقية، في حين أشاعت أن "إكسون موبيل" مقيّمة بأقل من قيمتها الحقيقية.
وانتشر الكثير من المقالات من أقلام مُستأجرة تعمل على تنفيذ أجندات في محاولة لإظهار أن السعودية لا تقود إصلاحاً اقتصادياً وطنياً جديا وعظيماً مع رؤية 2030. تساءلت تلك التحليلات مراراً وتكراراً عما إذا كانت المملكة قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة – من دون وجود دليل على عكس ذلك.
تلك الهجمات كانت متعمّدة تهدف إلى زرع الشكوك حول الرخاء السعودي وإمكانات الازدهار، تجاهلت قبل طرح "أرامكو السعودية" بأن رؤية السعودية 2030 وُضعت لتُنفَّذ في بيئة أسعار نفط منخفضة، ومن أجل خفض اعتماد الاقتصاد السعودي على الإيرادات النفطية والوقاية من تقلبات الأسعار، كما تجاهلت أن طرح "أرامكو السعودية" محلياً، سيعزّز القيمة السوقية للأسهم السعودية وتستفيد منه الصناعة والإقتصاد الوطني.
عدا عن أن "أرامكو السعودية" كانت قبل الطرح أكبر شركة نفط وطنية في العالم، وأن الآلية الخاصّة بمثل هذا الاكتتاب هي الأولى من نوعها في التاريخ، وستختلف عن أي طرح للشركات الأخرى. كذلك، فإن "أرامكو السعودية" هي أكبر مُصدّر للنفط في العالم وأقل المنتجين من حيث التكلفة. ولا تشكّل الإحتياطيات سوى جزء من أصول الشركةالتي تشمل البنية التحتية ومرافق التخزين، وموانئ التصدير ذات الطاقة التصديرية الكبرى في العالم ومصافي التكرير. وتتميز الشركة بمرونتها التشغيلية الاستثنائية، ونسبة ديونها المنخفضة، وتتميز بتنوع مصادر الإيرادات.
نجاح تاريخي لطرح "أرامكو السعودية"
وصلت قيمة "أرامكو" السوقية بعد بداية التداول إلى تريليوني دولار خلافاً للتقييمات المجحفة من بعض المنظّرين العالميين. وجاء طرح جزء يسير من الشركة لضمان ديمومة هذا العملاق بالحيوية والكفاءة المطلوبتين، وهذا لا يتحقّق إلا بأن تظهر كشركة تجارية طبيعية بقوائم مالية معلنة وبقيادة إدارية محترفة، تعي تماماً أن هناك من يتابعها بدقة، وأن هناك مجلس إدارة مستقلا وجمعية عمومية تُقيّم وتُتابع مما يجعل الشركة تهتم اكثر بنوعية الطاقم الإداري لديها.
لا يوجد منتج في العالم لديه القدرة الهائلة على ضبط الإنتاج صعوداً وهبوطاً بنحو 5 ملايين برميل يومياً خلال شهرين فقط غير العملاق "أرامكو السعودية"
أرامكو" الأقل خسائر أثناء الجائحة
في عام 2020، تعرضت شركات النفط العالمية لخسائر فادحة أثرت على الاستثمار المستقبلي في البنية التحتية كونها خفضت الإنفاق الرأسمالي لعمليات الاستكشاف والتنقيب. لكن الحال لم تكن هكذا بالنسبة إلى"أرامكو السعودية" التي ابقت استثمارات البنى التحتية مستمرة للمشاريع الرئيسة.
لا يوجد منتج في العالم لديه القدرة الهائلة على ضبط الإنتاج صعوداً وهبوطاً بنحو 5 ملايين برميل يومياً خلال شهرين فقط غير العملاق "أرامكو السعودية"،كما حدث في عام 2020 بخفض الإنتاج من 12,3 مليون برميل يوميا في شهر أبريل/نيسان إلى 7.4 ملايين برميل يوميا في يونيو/حزيران 2020 لضبط إيقاع توازن أسواق النفط.
يذكر أن روسيا واجهت صعوبات كبيرة في خفض 200 ألف برميل يوميا فقط خلال ستة أشهر مع انطلاق اتفاق "أوبك بلس" عام 2017. هذه المرونة التشغيلية الاستثنائية الضخمة التي لا تُضاهى، انعكست على مرونة الأداء المالي الإستثنائي بما يؤكد أن مستثمري "أرامكو" هم الأكثر أماناً ليس في الأوقات الاعتيادية فحسب، بل في الأزمات أيضا بعدما اثبتت المملكة العربية السعودية أنها استثنائية في الأزمات.
وأظهرت الشركة مرونة مماثلة في التعافي من تأثير جائحة كوفيد-19 الذي كان له انعكاس كارثي على قطاع الطاقة والاقتصاد العالمي. فوسط تقلبات الأسعار الحادة ظل سهمها مستقراً بشكل ملحوظ.
"أرامكو السعودية" شركة عظيمة، فأرقامها معلنة وتأثيرها العالمي واضح للعيان مهما كانت الغشاوة التي تعمي بصائر الحاقدين.