أيضا شارك العديد من المصارف في الهندسات المالية التي أطلقها مصرف لبنان لكي يستقطب ودائع المصارف لدى مراسليها إلى صناديقه، خلافا للنصوص القانونية التي تمنعه كتاجر من الاقتراض مع فقدان رأس المال. وقد قدر الاقتصادي توفيق كسبار عوائد هذه الهندسات بما لا يقل عن 30 مليار دولار لم تظهر في موازناتها.
"المقصلة" لأموال المودعين
كذلك عمدت المصارف، بطلب من مصرف لبنان ومن دون أي اعتراض منها، الى تكوين توظيفات إلزامية بالعملات الأجنبية لديه، في مقابل فوائد مجزية، خلافا للقانون الذي لا يتحدث سوى عن تكوينها لاحتياطات إلزامية من دون أي عائد. وتبلغ قيمة هذه التوظيفات حاليا نحو 8 مليارات دولار.
وعند اندلاع الأزمة، مارست المصارف "مقصلة " استنسابية. إذ سهلت للسياسيين والنافذين وعلى نحو غير قانوني تحويل مبالغ طائلة الى الخارج، وهو أمر يعاقب عليه قانون العقوبات. وقد أشار إلى هذه الاستنسابية صراحة حاكم مصرف لبنان في أحد كتبه إلى وزير المالية بعد أشهر من اندلاع الأزمة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكن من دون اتخاذ أي اجراء لوقفها، بدليل تأكيد نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، أخيرا في كلمة له من مجلس النواب، "أن هناك عددا كبيرا من النافذين في لبنان لا يزالون يرسلون أموالهم إلى الخارج، منهم سياسيون ورجال أعمال وضباط وقضاة" كما قال. ولا توجد إحصاءات رسمية بالقيمة الإجمالية لهذه التحويلات بما فيها التحويلات الائتمانية، وإن كانت بعض الدراسات تشير إلى مبلغ لا يقل عن 8 مليارات دولار.
للمزيد إقرأ: بيروت: دراجات نارية ومصارف قاتلة
من جهة أخرى استفادت مصارف عديدة من تعميم أصدره مصرف لبنان ومطعون في قانونيته، يطالبها بقبول تسديد الأقساط أو الدفعات المستحقة من قروض التجزئة الممنوحة بالعملات الأجنبية لغايات شخصية أو سكنية، وفي حدود معينة على أساس 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد (يبلغ حاليا نحو 90,000 ليرة لبنانية)، فوسعت إطار هذا التعميم ليشمل من دون حق إيفاء قروض تجارية وقروض مستحقة لسياسيين ونافذين، مما نجم عنه انخفاض حاد في حجم القروض للقطاع الخاص بنحو 30 مليار دولار.
يقارب مجموع المبالغ السابقة حجمَ الفجوة الموجودة في حسابات مصرف لبنان وتتجاوز نسبة 80 في المئة من مجموع الودائع المسجلة في موازنات المصارف.
ثانيا، ذكرت جمعية المصارف أنه "لا يجوز إخضاع المصارف، كما ينص مشروع القانون، لمهل قصيرة، تعيد خلالها تكوين مراكزها المالية تحت طائلة التصفية. فالمصارف تحاول امتصاص خسائر لم تتسبب بها وتقتضي مساعدتها لا معاقبتها".
هذا كلام غير صحيح، فالتعميم الأساسي الرقم 154 طالبها بإﻋﺎدة ﺘﻔﻌﻴل ﻨﺸﺎطﺎﺘﻬﺎ وﺨــدﻤﺎﺘﻬﺎ لعملائها منذ منتصف عام 2020.
حجز أموال المساهمين
ثالثا، شددت الجمعية في كتابها على "أنه لا يجوز تحميل إدارات المصارف ومساهميها الكبار والمفوضين بالتوقيع ومفوضي مراقبة المصارف مسؤولية الأزمة وحجز أموالهم".
وهذا قول لا يستقيم مع دعوات مسؤولين عدة بضرورة معاقبة المرتكبين والمقصرين وأهمية ذلك في أي عملية إصلاح مصرفي.
وقد ذكرت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، خلال ندوة نظمها الاحتياطي الفيديرالي في تاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وكانت حينها المدير العام لصندوق النقد الدولي أنه "من الضروري تحميل المصرفيين المسؤولية الكاملة، أكانت مدنية أم جزائية، عن أفعالهم في حالة ارتكابهم المخالفات القانونية. ويجب ألا يكونوا قادرين على الإفلات من العقوبات بدفع الغرامات فقط فتدبير كهذا أثبت محدوديته".
وكان البروفسور دانيال تارولو، استاذ القانون في كلية القانون في جامعة هارفرد، والعضو السابق في مجلس الاحتياطي الفيديرالي، ذكر "أن الانتظام المصرفي الصحيح لا يرتكز فقط على ضرورة توافر المعايير الموضوعية التقليدية كرأس المال والسيولة والملاءة واختبارات الإجهاد، وضمان الفصل بين نشاط المصرف التجاري والاستثماري وغيره، بل أيضا على ضمان وجود قيادات مصرفية لا شائبة على سلوكها المهني في إدارات المصارف، ويجب عند انحراف هؤلاء أن يحظروا علنا من ممارسة العمل المصرفي، وأن يلاحقوا جزائيا ويسجنوا تماما كما يحصل مع الافراد".