تبدو الأحداث الأخيرة التي يشهدها العالم مؤيدة لأطروحات الكتاب الجديد للروائي والكاتب اللبناني-الفرنسي أمين معلوف، تحت عنوان "متاهة الضائعين: الغرب وأعداؤه"، الصادر قبل أسابيع قليلة عن "دار غراسيه" بباريس. فمن جهة، تكشف مأساة الحرب الإسرائيلية على غزة بالملموس أن العالم لا يزال منقسما إلى معسكرين متناقضين في كل شيء: الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل أعمى، في حين تدافع روسيا عن تطلع فلسطين إلى دولة تستحق هذا الاسم.
من جهة أخرى، هناك حرب مدمّرة في قلب أوروبا اندلعت قبل عام ونصف العام، في أوكرانيا تحديدا، أدّت إلى إحياء أسوأ صدمات الماضي. فالتهديدات بحدوث كارثة نووية تثار الآن باستمرار، على الرغم من أن الجميع كان يعتقد أنها استبعدت بشكل نهائي. نعيش فصول مواجهة عالمية تضع الغرب في مواجهة الصين وروسيا، مما يكرس مقولة "الغرب ضد بقية العالم"، أي لا شيء جديدا تحت الشمس، مما يتسبب باضطراب كبير يؤثر بالفعل على حياة الناس ويشكك في أسس الحضارة البشرية الراهنة. الجميع يدرك ذلك، ولكن لم يفكر أحد حتى الآن في هذه الأزمة بالعمق الذي تستحقه. كيف إذاً وصل الوضع إلى هذا الحد؟
أصول المواجهة
يجيب أمين معلوف عن هذا السؤال، في كتابه "متاهة الضائعين"، بالعودة إلى أصول المواجهة الجديدة بين الغرب وخصومه، من خلال تتبع مسارات أربع دول عظمى: اليابان في عصر ميجي، هي التي كانت أول دولة في آسيا تتحدى التفوق الغربي، وأبهر تحديثها المتسارع البشرية جمعاء، ولا سيما بلدان الشرق الأخرى، فحلمت جميعها بتقليدها، ثم روسيا السوفياتية، التي شكلت لمدة ثلاثة أرباع قرن من الزمان تهديدا هائلا للغرب ونظامه وقيمه، قبل أن تنهار. ثم الصين التي تمثل في هذا القرن الحادي والعشرين، بتنميتها الاقتصادية، وثقلها الديموغرافي، وأيديولوجية قادتها، التحدّي الرئيسي لتفوق الغرب. وأخيرا الولايات المتحدة، التي وقفت في وجه كل من "المتحدّين" الثلاثة، وأصبحت، على مدار الحروب، المرشد الأعلى للغرب والقوة العظمى الأولى على كوكب الأرض.