أول أسير يعود الى غزة لـ "المجلة": من السجن الى النزوحhttps://www.majalla.com/node/305756/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D9%88%D8%AD
غزة- لم يكن الأسير المُحرر علاء أبو سنيمة يعلم أن خروجه من السجون الإسرائيلية بعد قرابة عام ونصف العام داخلها، سيكون ضمن صفقة تبادل للأسرى وأنه سينتقل من غرف صغيرة يكسوها العذاب اليومي على حياته من السجان الإسرائيلي، إلى مراكز النزوح مع أسرته بعدما دمرت آليات الحرب منزل العائلة أقصى شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقد وصل الأسير الذي يبلغ من العمر 18 عاما ونصف، إلى مقر الصليب الأحمر في غزة، مساء 27 نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما تمت عملية نقله من سجن نفحة إلى معبر كرم أبو سالم، جنوب شرقي القطاع، حيث تم تسليمه إلى الصليب الأحمر الذي تولى تنقله والاتصال بعائلته لتبيلغها بالتوجه لاستلامه.
عام ونصف من الاعتقال
بدأت رحلة الأسير أبو سنيمة عندما اعتُقل في الأول من يونيو/حزيران 2022، حيث كان مشاركا بـ "مسيرات العودة" على الحدود الشرقية لمدينة رفح، وهي المسيرات التي وصلت ذروتها عامي 2018 و2019، واستمرت فيما بعد بشكل متقطع، وكانت تهدف إلى تسليط الضوء على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مُدنهم وبلداتهم الفلسطينية التي هُجروا منها عام 1948، بالإضافة إلى لفت الانتباه للحصار الإسرائيلي المفروض على سكان القطاع منذ عام 2007.
شارك أبو سنيمة في مسيرات العودة كغيره من الغزيين الذين عبروا عن مطالبتهم بالعودة ورفع الحصار عن غزة
اقتاده الجيش الإسرائيلي إلى مراكز التحقيق الإسرائيلية بعد اعتقاله من المنطقة الحدودية لرفح، يقول: "اعتقلوني وأجبروني على خلع ملابسي. بقيت بالملابس الداخلية. وأدخلوني إلى زنزانة التحقيق"، كان معصوب العينين، مقيد اليدين والقدمين حيث تركوه لعدة ساعات وحيدا، وصفها بـ"مرحلة التعذيب النفسي".
شارك أبو سنيمة في مسيرات العودة التي كانت تُقام بالقرب من منزله، كغيره من الغزيين الذين عبروا عن مطالبتهم بالعودة ورفع الحصار عن غزة. وكانوا يأملون في حياة أكثر حرية وأمانا وفي مستقبل يمكنهم من تأمين حياتهم. كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 17 عاما، حيث جرت محاكمته والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. وخضع للأسر في سجن للأشبال 7 أشهر، تمكن خلالها من التواصل هاتفيا مع أسرته كل أسبوعين مرة واحدة لمدة 15 دقيقة.
انتقل بعدها إلى سجن نفحة بعدما بلغ 18 عاما خلال فترة أسره. هناك تعرف على العديد من الأسرى، كما تعرف على حياتهم وما يمارسه السجان بحقهم من "تعذيب نفسي وبدني، ومعاملة عنصرية، وطعام غير لائق للبشر أحيانا، ومصادرة المقتنيات، وجولات استفزازية ليلية أثناء نومهم، وضرب وتفتيش وتقييد مفاجئ في الليل، ومنع من الزيارات"، حسب قول أبو سنيمة الذي كانت عائلته تزوره مرة واحدة كل شهرين.
أحد الأسرى استطاع إخفاء جهاز راديو صغير، كنا نسمع الأخبار عبره وعرفنا من خلاله عن الاتفاق على صفقة تبادل للأسرى الأطفال والأسيرات
داخل السجون، كان أبو سنيمة يستعد لدراسة الثانوية العامة، استغلالا للوقت وبهدف استكمال تعليمه الذي انقطع عنه في عامه الأول بين غرف التحقيق وزنازين الاعتقال، حتى انفجرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. كان يتابعها مع الأسرى عبر الراديو والتلفزيون، خلال الأسبوعين الأولين، لكن فيما بعد، انقطعت عنهم الأخبار، حيث "صادرت هيئة السجون كافة المقتنيات الشخصية ووسائل الاتصال، لكن أحد الأسرى استطاع إخفاء جهاز راديو صغير، كنا نسمع الأخبار عبره وعرفنا من خلاله عن الاتفاق على صفقة تبادل للأسرى الأطفال والأسيرات، لكن بعدها تم اقتحام السجن مرة أخرى وتفتيشه وصودر الراديو وانقطعنا عن العالم".
يوم الإفراج، أبلغه السجان بنقله من نفحة إلى سجن ريمون. ولم يخبره أحد أن عملية إفراج قريبة تنتظره، وضعوا القيود في يديه وقدميه، وأجبروه على الانحناء والمشي مسافة قدرها 100 متر. ويقول لـ "المجلة": "حسيت نفسي انقطع، حتى أدخلني غرفة وأجبرني على خلع ملابسي، في البداية رفضت وضربني، أغلق الباب ودخل شخص بلباس مدني، سألني إذا كُنت أعلم ماذا حدث مع أهلي، أجبته بالنفي". خلع أبو سنيمة ملابسه، ووضعوه فيما بعد داخل سيارة، منذ نحو الساعة السابعة والنصف صباحا وحتى الرابعة مساء، دون ماء أو أكل أو ملابس.
أعادوه إلى غرفة ثانية وهناك سلموه ملابس أخرى، كان قد سمع خلال وجوده بالغرفة السجانين يتحدثون فيما بينهم. وسمح كلمة "شحرور" بالعبرية وتعني "إفراج"، يقول: "سمعت حديثهم، وأحدهم كان يشير إلى غرفتي وغرفة ثانية، وفهمت أنّ أحدنا سيحصل على حريته، لكن لم يكن لدي أمل بأنني أنا من سيذهب إلى منزله وعائلته".
الحرب والحرية
صرخ على زميله في الأسر سابقا عندما كانوا في أسر الأشبال: "ولك يا عدنان، إيش بقولوا"، أخبره: "شكلنا مروحين بصفقة التبادل"، لم يهتم لكلامه واعتقد أن صديقه قد يكون من بينهم كونه أسيرا إداريا لا محكومية عليه، إضافة إلى أنه من الضفة الغربية وهو من غزة... "تمنيت لحظتها أن ننال حريتنا جميعا كأسرى نخضع للتعذيب والتقييد".
عادوا لوضع القيود في يديه وقدميه، كانت مُحكمة جدا إلى درجة أنه لم يستطع تحريك يديه أو قديمه من القيود، طُلب منه التوقيع على ورقة، حاول فهم ما تعنيه لكن لم يخبروه... "فقط أمضي وأمشي". فيما بعد، جلست معه مندوبة عن الصليب الأحمر، وأخبرته بأنه سيجري الإفراج عنه ونقله إلى قطاع غزة، سألها إن كان عن طريق معبر بيت حانون (إيرز)، فأجابته: "على معبر كرم أبو سالم"، ثم وضعه الجيش في سيارة نقل، ومشت به قرابة 3 ساعات، حتى المعبر مع جنوب شرقي رفح.
سمعت العائلة أن ابنها "علاء" سيفرج عنه رابع أيام صفقة التبادل، لتنتظره على بوابة رفح طوال اليوم، إلا أنه لم يصل
أثناء صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين التي جرى الاتفاق عليها بين إسرائيل وحركة "حماس" برعاية الولايات المتحدة وقطر ومصر، لمدة أربعة أيام، ومددت يومين ثم يوم سابع، حيث جرى الاتفاق على بدء تسلم فصائل المقاومة الفلسطينية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني نساء وأطفالا تم احتجازهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل إطلاق سراح أسيرات وأسرى أطفال من السجون الإسرائيلية، ويشرف الصليب الأحمر على عملية الاستلام والتسليم من الطرفين.
سمعت العائلة أن ابنها "علاء" سيتم الإفراج عنه رابع أيام صفقة التبادل، لتنتظره على بوابة معبر رفح البري طوال اليوم، إلا أنه لم يصل، يقول والده فتحي أبو سنيمة "هناك صحافيون بلغونا أنه سيجري الإفراج عنه في رام الله ولن يصل إلى غزة، عُدنا إلى مركز الإيواء".
كان منزل العائلة ومنازل الجيران قد تعرضت للقصف الإسرائيلي بداية الحرب، ما اضطرها إلى النزوح إلى مراكز إيواء وسط مدينة رفح. بعدما خاب أملهم في اللقاء، وصلهم اتصال من الصليب الأحمر بغزة، طلب منهم التوجه إلى مركز الصليب الأحمر المؤقت بمنطقة المواصي غرب رفح حيث يوجد "علاء".
يقول والد الأسير: "ما توقعنا يطلع ابني ضمن صفقة التبادل، كنا نتوقع أن تشمل الصفقة أسرى أكبر منه سنا وأقدم منه في الأسْر، خاصة أصحاب المحكوميات الطويلة"، التقت العائلة بابنها منتصف الليل، وعادت إلى مركز النزوح، حيث علم هناك ما حدث في منزلهم ومنطقة سكنهم "الوالد أراني صور بيتنا على التليفون وشفت الدمار" يقول علاء.
صباح اليوم الأول من الحرية، عاد إلى منطقة سكنهم، مشى أبو سنيمة بين الأراضي الزراعية والمنازل المُدمرة تدميرا كاملا حيث التقى أصدقاءه وأقاربه وعلم بمقتل صديقه المقرب "عمار" بعدما تم استهداف منزل عائلته... "كُنت آمل أن نلتقي من جديد، أو أن أودعه على الأقل، لكن الله يرحمه ما إلنا نصيب".
حاول الأسير جاهدا وصف مشاعر الحرية التي نالها بعد الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول ولم تنته، إلا أنه قال: "يصعب وصف شعور الحرية. شعوري لما وصلت غزة كمان صعب وصفه، لكن صورة وذكريات الكرسي الحديد (في السجن) ويدي ورجلي مقيدتان بالحديد ومشدودة وأنا على كرسي التحقيق في الزنزانة ما بيروح من راسي".
خلال 7 أيام من عمليات التبادل كان الاتفاق ينص على أن كل محتجز إسرائيلي يقابله 3 من الأسرى الفلسطينيين، جرى الإفراج عن 240 أسيرة وأسيرا طفلا، من بينهم أبو سنينة الأسير الوحيد من قطاع غزة، فيما أطلقت المقاومة الفلسطينية سراح 80 من المحتجزين الإسرائيليين لديها.