رحلة ملحمية نحو الحرية... من الأنفاق إلى "حياة السود مهمة"https://www.majalla.com/node/305736/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9
في الذكرى العاشرة لميلاد حركة "حياة السود مهمة"، التي أطلقتها الناشطات أليسيا غارزا وباتريس كولورز وأوبال توميتي في الثالث عشر من يوليو/تموز عام 2013، فاز الصحافيان في "واشنطن بوست"، روبرت صامويلز وتولوز أولورونيبا، بجائزة "بوليتزر" للكتب غير الروائية لعام 2023 عن كتابهما المعنون "اسمه جورج فلويد: حياة رجل واحد والنضال من أجل العدالة ضد العنصرية"، الصادر في 2022.
يرسم الصحافيان، عبر السيرة الذاتية لجورج فلويد، صورة مؤثرة لرجل عادي أثار قتله على يد أحد رجال الشرطة في 2020 حركة دولية من أجل التغيير الاجتماعي، شارحَين كيف أن التحيز يشكّل أساس هياكل السلطة في الولايات المتحدة. وكانت هذه فرصة للتأمل والعودة إلى أحد الفصول الأكثر إثارة في تاريخ العبودية وما خلّفته من عنصرية لا يزال تأثيرها قائما في المجتمع الأميركي.
اكتشاف القارة
عادة ما تنقلنا كلمة العبودية إلى أزمنة بعيدة، وصلت إلينا أخبارها من حضارات مختلفة عبر رسوم جدارية ومنحوتات وكتابات. غير أن البشرية كان عليها أن تشهد أحد أكثر فصولها المأسوية والمؤلمة بعد اكتشاف كريستوف كولومبس القارة الأميركية عام 1492، حيث شهدت تجارة الرقّ ازدهارا لا مثيل له في التاريخ، هذا إذا ما استثنينا عملية إبادة السكان الأصليين بطريقة وحشية وممنهجة على يد المستعمرين الجدد. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه نُقل زهاء اثني عشر مليون أفريقي إلى الأميركيتين،في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. من بينهم، ما لا يقل عن مليون شخص اقتيدوا إلى الأراضي التي أصبحت في ما بعد جزءا من الولايات المتحدة. لإعطاء فكرة عن مدى استغلال العبيد في المستعمرات الإنكليزية والإسبانية والبرتغالية، ينبغي التوقف عند تأثيرات ما يسمى ﺒ"قانون البطن"، الذي كان يحكم على أطفال الأرقاء بالعبودية الدائمة. تُضاف إلى ذلك، حالات الاستعباد الفعلية التي شملت ما تبقى من السكان الأصليين والعمالة الصينية، حتى بعض الأوروبيين القادمين من المناطق الأكثر فقرا في القارة العجوز.
نُقل زهاء اثني عشر مليون أفريقي إلى الأميركيتين، في الفترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر
بعد عقود طويلة ذاق خلالها ملايين الرجال والنساء أقسى أنواع العذاب والمهانة، ألغت إسبانيا العبودية في بورتوريكو عام 1873، وفي كوبا عام 1886، وفعلت الجمهوريات المستقلة في أميركا القارية ذلك بشكل عام بعد وقت قصير من إعلان الاستقلال، في الفترة ما بين عامي 1810 و1830 تقريبا. ومع إقرار التعديل الثالث عشر للدستور، ألغيت العبودية أيضا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بالتزامن مع اكتساب العبيد السود الحريات المدنية رسميا مع "إعلان التحرّر" الذي أصدره الرئيس أبراهام لينكولن في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1863.
صحيح أن العبودية ألغيت بحكم القانون، ولكن هل تمكن "العبيد السابقون" من الحصول على حريتهم كاملة من دون أي تحيز أو تمييز؟ البعض يعتبر الإجابة عن هذا السؤال نسبية، مستندا إلى العدد الكبير من الأفرو أميركيين الذي حققوا النجاح وتقلّدوا مناصب مهمة في المجالات كافة، كالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. في حين يصرّ آخرون، على أن الأمور ساءت كثيرا في السنوات الأخيرة بعد جرائم قتل نُفذت عن عمد وبدم بارد، كما في جريمة جورج فلويد التي هزّت العالم.
قبل ذلك، في الثالث عشر من يوليو/تموز 2013، كانت هيئة المحلّفين المكونة من ستة أشخاص في محكمة فلوريدا، قد أعلنت، بعد 16 ساعة و20 دقيقة من التداول، أن جورج زيمرمان غير مذنب بقتل الشاب الأفرو أميركي ترايفون مارتن البالغ من العمر 17 عاما. صدر على إثر ذلك حكم يقضي ببراءة الجاني، مما مهد الطريق لظهور حركة "حياة السود مهمة"، التي أصبحت حركة عالمية مع مقتل جورج فلويد في 25 مايو/أيار 2020.
تجارب مضيئة
ناضل الأفرو أميركيون لسنوات طويلة من أجل الحصول على حقوقهم ونيل حريتهم التي كانت ملكا لأسيادهم، خاصة في الولايات الجنوبية حيث كانوا يُرغمون على العمل لساعات طويلة في حقول القطن والذرة مقابل قوتهم فحسب، دون أدنى رعاية صحية أو اجتماعية. يقدم التاريخ، من بين أسماء كثيرة، سير أشخاص خاطروا بحياتهم من أجل إنقاذ أنفسهم وإنقاذ الآخرين من براثن العبودية، مثل هارييت توبمان، التي تحولت قصتها إلى فيلم بعنوان "هارييت"، وسوغورنر تروث وفريدريك دوغلاس وجون باركر وويليام ستيل وإليزا هاريس. هذه الأخيرة، بعدما هربت في عام 1849 من العبودية بمساعدة شبكة "ممرات الحرية" (أو السكك الحديد تحت الأرض)، أصبحت واحدة من أكثر أعضاء المنظمة نشاطا في السنوات اللاحقة، إذ قادت العديد من الإرساليات إلى الولايات الجنوبية لتنظيم هروب "العبيد"، وتمكنت من إيصال أكثر من ثلاثمئة شخص إلى الحرية.
عندما وصلت ليزا هاريس إلى نيوبورت بولاية إنديانا - مدينة فاونتن حاليا – قام الزوجان ليفي وكاثرين كوفين بإيوائها في منزلهما قبل أن تتابع رحلتها إلى كندا. لم ينشر ليفي كوفين روايته عن هروب هاريس حتى عام 1876، إلا أن القصة انتشرت عبر كتابه "ذكريات ليفي كوفين" ووصلت إلى آذان هارييت بيتشر ستو (1811-1896)، مؤلفة "كوخ العم توم"، التي عاشت هناك من عام 1832 إلى عام 1849. كان لهذه الرواية، التي يُعتقد أن الكاتبة استلهمتها من ذكريات كوفين، تأثير كبير في الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ إن القصة أشعلت الحماسة في القوى المعارضة للرقّ في أميركا الشمالية، في حين أثارت غضبا واسعا في الجنوب.
كانت هاريس واحدة من نحو ألفَي "عبد" ساعدهم آل كوفين على الفرار عبر نيوبورت، وهو إنجاز أكسب ليفي لقب "رئيس السكك الحديد تحت الأرض". روى ليفي في مذكراته قصص الهاربين الذين ساعدهم، مذ كان صبيا في ولاية نورث كارولينا، حتى السنوات التي أمضاها كتاجر ومصرفي بارز في الغرب الأوسط. يظهر منزله في رواية "كوخ العم توم" على أنه منزل سيمون وراشيل هاليداي، وكان بمثابة محطة على خط السكة الحديد تحت الأرض، وهو نظام من المنازل الآمنة ووسائل النقل لأولئك الذين يهربون من العبودية. يقع منزل آل كوفين، الذي أصبح الآن معلما تاريخيا وطنيا، في الشارع الرئيس لمدينة فاونتن سيتي، وهي بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها نحو 800 شخص، على الطريق من ريتشموند إلى وينشستر بولاية إنديانا، على بعد أميال قليلة من أوهايو. بحسب المصادر التاريخية، بنى آل كوفين المنزل في عام 1839 لأنفسهم ولأطفالهم الأربعة، وعلى ما يبدو لمساعدة "العبيد" الهاربين. لكن لماذا بقي ذلك المنزل ملاذا آمنا ولم يكتشف أمره؟
في غرفة النوم في الطابق العلوي، ثمة باب سرّي يفضي إلى العلّية، وبمجرد إغلاقه ووضع السرير أمامه، يصبح غير مرئي تقريبا. بينما يقع المطبخ في الطابق السفلي، حيث يمكن إعداد وجبات كبيرة للهاربين ليلا أو نهارا دون أن يثيروا انتباه الجيران. بجانب المطبخ، وهذا كان أمرا نادرا في تلك النواحي، هناك بئر داخلية يرفدها جدول باطني يفي بمستلزمات الطبخ والشرب والغسيل. كانت فكرة آل كوفين أن تجهيز مطبخ تحت المنزل، جنبا إلى جنب مع البئر، سيسمح لهم بالعمل وفقا لجدول زمني على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. بهذه الطريقة، يمكنهم القيام بكل ما يجب القيام به، مثل طهي وجبات الطعام أو توفير المأوى والطعام للوافدين، دون أن يكون هناك أي نشاط على المستوى الرئيسي للمنزل.
هذه السكك الحديد تحت الأرض أنقذت عددا يقدر من ثلاثين إلى مئة ألف من الأشخاص في الفترة من 1830 إلى 1863
في جوار المنزل الأصلي يوجد حاليا مركز تعليمي واسع، مع مسرح توجيهي ومعارض تفاعلية، ممولة من المؤسسة الوطنية للعلوم الإنسانية، افتتح في ديسمبر/كانون الأول 2016، وأطلق عليه اسم "مركز سميثونيان". يُعدّ المركز، إلى جانب متحف الفن الحديث الجديد في سان فرانسيسكو والمتاحف الأخرى، واحدا من أكثر المتاحف شعبية في الولايات المتحدة. وهو لا يضم الكثير من الأشياء التي يمكن من خلالها رواية قصة العبور من الجنوب إلى الشمال، بل يعتمد على المعروضات التفاعلية، مثل الاستماع إلى قصيدة لأم تحاول وصف ما تعنيه تربية طفل في ظلّ العبودية، أو تجربة خريطة تفاعلية توضح التقارب بين جماعات الكويكرز (طائفة من المسيحيين البروتستانت نشأت في القرن السابع عشر في إنكلترا على يد جورج فوكس) والمجتمعات السوداء الحرّة في ولاية إنديانا.
رحلة نحو الحرية
في مذكراته المنشورة عام 1876 بعنوان "السكك الحديد تحت الأرض"، يصف كوفين هروب إليزا هاريس مع ابنها من كنتاكي، في رحلتها الأولى نحو الحرية، بأنها كانت مجازفة كبيرة من طرفها. خاضت إليزا رحلة محفوفة بالأخطار للوصول إلى ذلك المنزل في نيوبورت بولاية إنديانا، وكانت تعلم جيدا أن الأخطار لم تنته بعد، لأن الشمال، حيث الحرية، كان لا يزال بعيدا.وعلى الرغم من حظر العبودية في المستعمرات البريطانية في كندا، إلا أن إليزا كانت تخشى على نفسها، لأنها مملوكة لرجل من دوفر، كنتاكي. كانت مزرعة المالك تكاد تلامس نهر أوهايو، تلك الحدود الطبيعية التي تفصل أراضي الجنوب حيث كانت العبودية متجذّرة بعمق وتشكّل العمود الفقري للاقتصاد، عن الولايات الشمالية حيث كانت غير قانونية.
كانت إليزا قد قرّرت الفرار قبل بضعة أيام، عندما علمت أن المالك، الذي يعاني من نقص في المال، سيبيعها ويفصلها عن ابنها. لم يكن زوجها معها، فقد هرب من المزرعة في شتاء عام 1838، ووعدها بأنهما سيلتقيان في كندا. كانت على استعداد للموت حتى لا ينتهي بها الأمر في أيدي صيادي العبيد، هذا ما أكدته لليفي، وهي تجلس في ذلك المطبخ شبه المظلم وترتدي أحد الفساتين التي أعدتها لها بسرعة كاثرين كوفّين، باستخدام بعض الأقمشة المتوفرة في البيت.
عبرت النهر أثناء ذوبان الجليد لتصل إلى ولاية أوهايو، وهي ولاية حرة، أو هكذا كان الأمر على الورق، فلم يكن يُسمح ببيع وشراء الرجال والنساء، إلا أن العبودية لم تكن محظورة بعد. كانت تحمل الطفل بين ذراعيها وهي تقفز على الجليد الطافي المتناثر على سطح الماء الذي أذابته شمس النهار بالكامل تقريبا. وفي تلك اللحظات التي بدت لا نهاية لها، لم تكن خائفة ولم تفكر كثيرا في الأخطار التي كانت تخوضها، لكنها أدركت أنها كانت تفضّل الموت غرقا على أن يقبض عليها كطريدة، وتعاد إلى سيدها وتفصل عن ابنها.
عندما وصلت إلى قرية ريبلاي في الضفة المقابلة، كانت منهكة، وهناك أخبرها عابر سبيل أنها ستجد على بعد مسافة قصيرة درجا خشبيا طويلا يصعد إلى جانب التل من الضفة المعشوشبة للنهر وينتهي في منزل. كان هذا المنزل المكون من طابقين مرئيا من بعيد بفضل فانوس يعلو عمودا مرتفعا وآخر أصغر منه مضاء في النافذة. بعد صعود الدرج، ولجت إليزا والطفل من الباب الخلفي المفتوح دائما للسماح بالدخول ليلا لأولئك الذين، مثلها، كانوا يبحثون عن ملجأ. كان الموقد مشتعلا والغرفة دافئة، وظهر المالكان، الزوج والزوجة، على الفور تقريبا. كانا في منتصف العمر، ورعين ونشطين للغاية في شبكة سرية إلى حدّ ما عرفت في ما بعد باسم "طريق السكة الحديد تحت الأرض".
شبكة متكاملة تحت الأرض
هذه السكك الحديد تحت الأرض التي أنقذت عددا يقدر من ثلاثين إلى مئة ألف من الأشخاص في الفترة من 1830 إلى 1863، لم تكن مكونة من قطارات غامضة تسافر تحت الأرض، بل من شبكة طرق وأماكن آمنة مؤلفة من منازل وحظائر وكنائس وزرائب وأقبية ومستودعات، نظّمها دعاة إلغاء العبودية من الشمال والجنوب لمساعدة المضطهدين في الحصول على حريتهم وحقوقهم المشروعة. كانت هذه الشبكة تعتمد على دعم مختلف المموّلين والصحف، مثل صحيفة "المحرّر" في بوسطن أو صحيفة "المتَحرّر" في نيويورك، وعلى مشاركة المواطنين البيض والأفرو أميركيين ومساعدة العبيد السابقين المستعدين للمخاطرة بأنفسهم لإنقاذ حياة أقرانهم.
كان يشار إلى هذه الشبكة بمصطلحات ورموز مستعارة من السكك الحديد الأميركية في بداياتها: فالمسارات كانت تعني الطرق المؤدية إلى الشمال؛ والمحطات أو المستودعات، هي أماكن الإقامة الآمنة، والسائقون ومحصّلو التذاكر وسائقو القطارات هم المرشدون على امتداد المسارات، والذين يتولون إخفاء الناس في منازلهم كان يُطلق عليهم اسم مديري أو نُظّار المحطات، وأولئك الذين يدعمون الشبكة يُسمّون بالمساهمين، والركاب أو الأمتعة هم الأشخاص الفارّون الذين يسعون إلى الحرية، وكان وكلاء التذاكر هم منظّمو الرحلات، بينما المحطات يقصد بها الوجهات النهائية، في مقدمتها كندا والولايات الواقعة في أقصى شمال البلاد.
مع ذلك، يبقى السؤال: ما الإرث الذي تركه طريق السكة الحديد للولايات المتحدة والعالم؟ تقول كارول لاسر، أستاذة التاريخ في جامعة أوبرلين بولاية أوهايو، في كتابها "اليوتوبيا المضلّلة: النضال من أجل المساواة العرقية في أوبرلين، أوهايو": "يريد الكثير اليوم في أميركا أن يتذكّروا أن أسلافهم ساعدوا الباحثين عن الحرية في رحلاتهم شمالا. مع ذلك، لا يمكننا أن ننسى أن الأمر تطلّب حربا أهلية دموية لإنهاء العبودية، وأن الأميركيين كانوا يقاتلون ضد فوقية البيض المتعنّتين. يجب أن نكون فخورين بمقاومة الأفرو أميركيين، بما امتلكوا من شجاعة للهروب عبر شبكة السكك الحديد تحت الأرض، وأولئك الذين ساعدوهم من السود أو البيض، لكن يجب علينا أن ندرك أن العمل لم ينته بعد. اليوم، بعدما أخذنا عبرة من الظلم والقمع اللذين تسببت بهما العبودية، أخشى أننا في المستقبل سنواجه أوضاعا مشابهة بسبب الجوع والاضطهاد السياسي والحروب".
السؤال الحالي الذي يتردد على ألسنة كثير من الأفرو أميركيين: حسنا، لقد قمتم بعمل رائع، ولكن ما الذي تغيّر في أميركا بعد عشر سنوات على حركة "حياة السود مهمة؟"
في سيناريو مماثل، على الرغم من أنه أقل حدّة من العبودية، ذاع أخيرا اسم كندا، لإصدارها قوانين تنسف آمال كثير من المهاجرين في بناء مستقبل أفضل بعيدا من الحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تجتاح أوطانهم. كندا، التي تميزت حتى وقت قريب بإيمانها بقيم اللجوء وحقوقه، غيّرت هي أيضا سياساتها المتعلقة بالهجرة، بعد توقيع معاهدة ثنائية بينها وبين الولايات المتحدة بهدف منع طالبي اللجوء من عبور حدود البلدين بطريقة غير شرعية. في الحقيقة، كان محور الاتفاق طريق ريفي ضيق يمر عبر حقول الذرة والغابات والمزارع، يُعرف باسم "ممر روكسهام"، يبلغ طوله أقل من تسعة كيلومترات، ويربط بين شامبلين في ولاية نيويورك وسان برنارد دي لا كولي في كيبيك الكندية. كان هذا الطريق، الذي أُغلق قبل بضعة أشهر، يعدّ "البوابة" غير القانونية الأشهر بين الدولتين، ويستخدمها العديد من المهاجرين الفارّين من الحروب والأزمات الداخلية كـ"ممر إلى الحرية". بحسب الإحصاءات، عبر هذا الممر في عام 2022 وحده أكثر من أربعين ألف رجل وامرأة وطفل من الشرق الأوسط ونيجيريا وزيمبابوي وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية والوسطى.
أما السؤال الحالي الذي يتردد على ألسنة كثير من الأفرو أميركيين: حسنا، لقد قمتم بعمل رائع، ولكن ما الذي تغيّر في أميركا بعد مرور عشر سنوات على ولادة حركة "حياة السود مهمة؟".
يقول تولوز أولورونيبا، أحد الفائزين بجائزة "بوليتزر"، في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية: "بعد مرور عشر سنوات، وارتباط كل عام من هذه الأعوام باسم شخص قُتِلَ بسبب العنصرية المقيتة، رأينا الحركة تزدهر، وتُحدث التغيير، وتتمكن من إدانة شرطي ارتكب جريمة قتل. ودوريات الشرطة المناوبة، أصبحت مزودة كاميرات صغيرة، وهو أمر لم يكن متوفرا أو مطلوبا قبل عشر سنوات. اليوم يمكننا أن نرى ما يفعلونه، وكان مقتل جورج فلويد لحظة حاسمة في تاريخ الحركة، إذ إنها انتعشت وانفجرت من جديد. مع ذلك، ثمة الكثير مما يجب القيام به".