لم يسبق لي أن رأيت عملا فنيا لفنان من أندونسيا. حين رأيت معرضين للفنانة كرستين أي تجوي في "قاعة وايت كيوب" بلندن، تفصل بينهما ثلاث سنوات، عرفت أن هناك جزءا من العالم يزخر بالتجارب الحداثية المتقدمة قد فاتتني فرصة التعرف الى كنوزه. وعلى الرغم من أن أي تجوي لم تتجاوز الخمسين من عمرها (ولدت عام 1973) فهي مشهورة على نطاق عالمي، حتى أن أعمالها تُباع في المزادات العالمية وبأسعار مفاجئة بالنسبة إلى فنانة ليست غربية.
للوهلة الأولى تبدو لوحاتها التي غالبا ما تكون كبيرة الحجم تجريدية خالصة. غير أن تأملها المتفحّص من غير الوقوع في فخ الانصياع البصري لسحر خطوطها الدائرية المتدفقة، لا بد أن يكشف عن وجه آخر، وجه له صبغة تشخيصية (تشبيهية) تبعد عنها صفة التجريد وتضع بين يدي مشاهدها المفاتيح التي تمكنه من الدخول إلى عالم، جعلته أي تجوي مسرحا لصراع الإنسان مع نفسه. فهي ترى الإنسان منقسما على نفسه في صيغتين. الوحش الداخلي والكائن الخارجي. ما نراه وما لا نراه منه. وهو ما يمكن التعبير عنه بصفات مختلفة تشكل كفَّتَي المعادلة التي تتمحور حولها الحياة الإنسانية. الخير والشر، الضعف والقوة، الفرح والحزن، الرضا والغضب، وسواها من المتناقضات التي تفصل بينها خطوط مجازية، لا يمكن العثور عليها في صورة واحدة.
من فضائل الفنانة أنها وضعت التقنية في خدمة فكرتها. من الواضح أنها من خلال خدش طبقات اللون كانت تريد أن تقول شيئا مختلفا وقد نجحت في القيام بذلك.