"المجلة" قرب معبر رفح... انتظار الجرحى والمساعدات

توتر في شمال سيناء لإدخال الاغاثة الى القطاع

عمرو امام
عمرو امام
شاحنات المساعدات قرب معبر رفح

"المجلة" قرب معبر رفح... انتظار الجرحى والمساعدات

رفح- اصطفت شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية على طول الطريق الواصل بين مطار العريش شمال سيناء، ومعبر رفح على الحدود بين قطاع غزة ومصر.

ورصدت "المجلة" وجود السائقين، الذين جلبوا معهم كل الضروريات: الطعام والبطانيات والأفران البدائية للطهي، متلهفين للتحرك لتوصيل حمولات سياراتهم إلى غزة التي كانت تطالب بالدعم بعد ما يقرب من 50 يوما من القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل.

إلا أن انتظارهم بدا وكأن لا نهاية له. وكما قال محمد عدلي، أحد سائقي الشاحنات، بينما كان دخان سيجارته يتراقص فوق رأسه: "نحن بانتظار إشارة التحرك فقط".

وحاولت مصر استغلال الهدنة التي انتهت بين إسرائيل من جهة، والفصائل الناشطة في قطاع غزة، بما في ذلك حركة "حماس" الحاكمة، من جهة أخرى، لتوصيل أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة.

وأدت الهدنة إلى زيادة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية المسموح لها بالدخول إلى قطاع غزة إلى أكثر من 200 شاحنة يوميا، بعد أن كانت الحصة اليومية تقتصر على حوالي 20 شاحنة قبل إبرام الهدنة بوساطة مصرية -قطرية، ودخولها حيز التنفيذ في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.

AFP
جريحة فلسطينية اثناء نقلها من معبر رفح الى مستشفى مصري لمتابعة العلاج في 4 ديسمبر

كما سمح التعليق المؤقت للأعمال العدائية بين الجانبين بدخول الوقود إلى غزة لتشغيل مستشفياتها ومحطات توليد الكهرباء، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، في أعقاب الهجمات التي شنتها الفصائل في غزة على المستوطنات في جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني.

يقوم الهلال الأحمر المصري بتنسيق وصول المساعدات إلى سيناء، بما في ذلك عبر مطار العريش، ومن ثم الإشراف على توزيعها على المستودعات قبل تحميلها على الشاحنات تمهيدا لدخولها إلى غزة

لكن، حتى بعد زيادة كمياتها، فإن المساعدات الإنسانية المسموح بدخولها إلى المنطقة الساحلية من معبر رفح، نافذة غزة الوحيدة على العالم الخارجي، لا تشكل سوى جزء بسيط من الاحتياجات؛ إذ تمثل الـ200 شاحنة المسموح بدخولها إلى القطاع يوميا  ثلث ما كان يدخل إلى الأراضي الفلسطينية بشكل يومي قبل الحرب الحالية.


هوة واسعة

ويقف سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة على حافة المجاعة، وسط تحذيرات من منظمات الإغاثة الإنسانية والأمم المتحدة من إمكانية أن يتجاوز عدد الأشخاص الذين يواجهون احتمال الموت بسبب التلوث والمرض ونقص المياه الـ14 ألف شخص الذين قتلوا خلال 50 يوما من الهجمات الإسرائيلية على غزة.
وهنا في رفح، المدينة المصرية الأقرب إلى قطاع غزة، يدرك الجميع ذلك ويعملون بجد لضمان عبور المساعدات التي ساهمت بها مصر والدول الأخرى النقطة الحدودية إلى المنطقة المنكوبة بالحرب.
وفي حديث مع "المجلة"، قال خالد زايد، مدير جمعية الهلال الأحمر المصري في شمال سيناء، المنظمة الرئيسة التي تنسق دخول المساعدات إلى غزة من مصر: "إننا نبذل كل ما في وسعنا لتنسيق إيصال المساعدات وتزويد سكان غزة بجميع احتياجاتهم".
ويقوم الهلال الأحمر المصري بتنسيق وصول المساعدات إلى سيناء، بما في ذلك عبر مطار العريش، ومن ثم الإشراف على توزيعها على المستودعات قبل تحميلها على الشاحنات تمهيدا لدخولها إلى غزة.

منذ بداية الحرب حتى هذه اللحظة، وصلت إلى المطار ما يقرب من 240 طائرة محملة بمساعدات إنسانية وإغاثية من 54 دولة

يبدو أن مطار العريش، الواقع شمال شرقي سيناء على بعد حوالي 30 كيلومترا من معبر رفح، لم يكن مستعدا بشكل كاف للتدفق الحالي للمساعدات الإنسانية والإغاثية من البلدان الأخرى. فالمطار ليس أكثر من مجرد مدرج وعدد قليل من المكاتب الإدارية المتفرقة.


مركز لوجستي

ومع ذلك، فإن السلطات المصرية تستنزف كافة قدرات المرفق من أجل التعامل مع حجم المساعدات القادمة من بلدان أخرى؛ فالمطار مزدحم للغاية هذه الأيام، حيث تهبط فيه طائرة جديدة محملة بالمساعدات الإنسانية كل بضع دقائق.
ومنذ بداية الحرب حتى هذه اللحظة، وصلت إلى المطار ما يقرب من 240 طائرة محملة بمساعدات إنسانية وإغاثية من 54 دولة، بحسب محافظ شمال سيناء، اللواء محمد عبد الفضيل شوشة.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني قال المحافظ للصحافيين الموجودين على بعد أمتار من معبر رفح إن "نحو 1814 شاحنة مساعدات إنسانية دخلت غزة من مصر حتى الآن".
وحولت سلطات شمال سيناء أجزاء من أراضيها المصرية النائية إلى مركز لوجستي لاستقبال وتوزيع وتوصيل المساعدات إلى غزة.
وقال المحافظ شوشة إن سلطات محافظته اضطرت إلى إنشاء المزيد من المستودعات لاستيعاب المساعدات المرسلة إلى شمال سيناء من دول أخرى.
وعادة ما يتم نقل المساعدات من المطار، بعد تفريغ حمولة الطائرات القادمة، إلى المستودعات قبل تحميلها على الشاحنات عندما يحين وقت دخولها إلى غزة.
وتضغط مصر من أجل زيادة توصيل المساعدات إلى غزة، نظرا للاحتياجات المتزايدة لسكان الأراضي الفلسطينية، حيث اضطر ما يقرب من 80 في المئة منهم إلى مغادرة الأجزاء الشمالية والوسطى من غزة إلى الجزء الجنوبي منها، الواقع بالقرب من الحدود مع مصر.
وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على ضرورة تكثيف تدفق المساعدات إلى غزة مرارا في الأسابيع الماضية، محذرا من جعل القطاع الفلسطيني المجاور منطقة غير صالحة للحياة.

يتلقى الآن أكثر من 400 جريح العلاج في شمال سيناء، خاصة في مستشفى العريش العام، وهو مرفق طبي تديره الدولة يعمل بكل ما أوتي من قوة لمواكبة تدفق المرضى من قطاع غزة

استقبلت مصر حتى الآن مئات من جرحى الهجمات الإسرائيلية على غزة. ويدخل ضحايا مصابون إلى البلاد عبر معبر رفح ثم يخضعون للفحوصات قبل أن تحدد السلطات الصحية المصرية المرافق الطبية التي سيخضعون للعلاج فيها.


معالجة ضحايا الحرب

وأرسل بعض المصابين إلى القاهرة لتلقي العلاج، بينما أرسل آخرون إلى مستشفيات في المدن الممتدة على طول شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك بورسعيد، غرب قناة السويس. ويضاف هؤلاء الضحايا إلى العشرات من الأطفال الخدج الذين وصلوا إلى مصر في الأسابيع الماضية لتلقي الرعاية في مستشفياتها.
ويتلقى الآن أكثر من 400 جريح العلاج في شمال سيناء، خاصة في مستشفى العريش العام، وهو مرفق طبي تديره الدولة يعمل بكل ما أوتي من قوة لمواكبة تدفق المرضى من قطاع غزة.
وبحسب الدكتور أشرف الإتربي، مساعد وزير الصحة المصري، وصل بعض الضحايا بأطراف مكسورة ومتضررة أو بحروق من الدرجة الثالثة، كما وصل أيضا ضحايا مصابون ببتر في الأذرع والأرجل.
وقال الإتربي لـ"المجلة" خلال جولة في مستشفى العريش العام يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، إن "الطبيعة الوحشية للحرب تتجلى في نوعية الإصابات التي يصل بها الضحايا".

AFP
شاحنة مساعدات تعود الى الاراضي المصرية بعد افراغ حمولتها في غزة في 4 ديسمبر

وقال إنه بصرف النظر عن العمليات الجراحية الحرجة التي أجريت لبعض الضحايا، فإن ضحايا آخرين احتاجوا إلى عمليات ترقيع للجلد لعلاج جلدهم التالف أو المفقود.
حسن نشأت، الشاب ذو الـ19 عاما، هو أحد هؤلاء الضحايا. في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، كان نشأت يحاول إنقاذ جيرانه الذين قصفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية منزلهم في شمال غزة، عندما عادت الطائرات ذاتها للهجوم بالقرب من الموقع نفسه.
وقد أصيب نشأت إثر ذلك الهجوم بجروح خطيرة وإصابات في العمود الفقري والرقبة نتيجة لشظايا القذائف. وعند وصوله إلى مصر، خضع لعدة عمليات جراحية لإزالة الشظايا من جسده.
وفي حديثه مع "المجلة"، قال نشأت: "حالتي تعتبر من أسهل الحالات على الإطلاق"، مضيفا: "هناك أشخاص آخرون أوضاعهم أسوأ بكثير. ويجب أن تتوقف هذه الهجمات لأن سكان غزة يستحقون العيش بأمان".

بصرف النظر عن قربهم من غزة، فإن معظم سكان العريش لديهم روابط عائلية مع الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية

غادر بعض الضحايا المصابين من غزة بالفعل مستشفيات شمال سيناء. وبحسب المحافظ شوشة، تقوم سلطات شمال سيناء بمنح المصابين بعد مغادرتهم للمشافي مكانا للإقامة يبقون فيه حتى يقرروا العودة إلى ديارهم بشكل طوعي.


شعور بالكآبة

وفي هذه اللحظة، لا يزال 375 من سكان غزة يعيشون في العريش إلى جانب سكان المدينة، مما ينقل معاناة غزة إلى قلب هذه المدينة، المركز الحضري الأكثر اكتمالا في شمال سيناء في محيط الأراضي الفلسطينية.
ويبدو الناس العاديون هنا في العريش وكأنهم جزء من الصراع الدائر على بعد بضعة كيلومترات خلف السياج الحدودي بين سيناء وغزة. وبصرف النظر عن قربهم من غزة، فإن معظم سكان العريش لديهم روابط عائلية مع الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية.
حمادة أبو بكر، رجل في الخمسينات من عمره، يعمل في بيع أطعمة للحيوانات الأليفة ولديه أخ يعيش في غزة. في حديثه مع "المجلة" قال أبو بكر إن "هذا هو سبب الشعور العميق بالحرب في غزة لدى الناس هنا". وأضاف قائلا: "نأمل حقا بأن تنتهي هذه الحرب قريبا".

font change

مقالات ذات صلة