زمن ممتدّ
تتركّب القصة ضمن طور زمني ممتد بين ستينات القرن الماضي والعام الحالي، وتندرج ضمن إطار المواضيع الحديثة والكلاسيكية في آن واحد، فالقصة اﻷساسية تُزاح من أجل القصص التي تتغير حسب ظهور الأبطال ونهايتهم. الأخوان بطلا العمل، رودريك وأخته، مؤسّسا شركة دوائية، لم يوفرا جهدا وحيلة من أجل السلطة والسيطرة عبر الشركة التي تُنتج مواد طبية إدمانية، والتي تقام كل تجاربها على البشر والحيوانات في وقت واحد. كل الشخصيات ضمن العائلة ستملك ربطا بهذين البطلين، الأب والأخت، مؤسّسي العائلة والأعمال، واللذين سيدفعان ثمن موت الأبناء المتتالي بمقاومة كل ألم ممكن.
يقود المسلسل آلية التحفيز والإثارة انطلاقا من عيني الأب؛ رئيس شركة أشر الطبية وذاكرته. فالشركة حقّقت نفوذا واسعا، هذا النفوذ ليس قائما على المال، وعلى انتماء العائلة الى أكبر العائلات الرأسمالية فحشا، بل على ارتباط العمل بالمنتجات الدوائية حصرا، وارتباطها بالتجارب الطبية التي تُجرى على البشر دون معايير شرعية، بالتالي السيطرة عليهم عبر الدواء، وبيعهم أنواع أدوية مخدّرة وإدمانية. كل ما أسّسته العائلة قائم على تجربة القسوة والاستغلال، وعلى عمليات تغطية قانونية، لكل السموم المنتجة عبر الشركة.
المدّعي العام، الذي يحاول إثبات تورّط العائلة في إنتاج مادة أفيونية مسكّنة للآلام، يأتي بمعلومات الى المحكمة توصل إليها عبر جاسوس داخل العائلة، مثبتا أن التجارب الطبية، ونتائج صناعة الأدوية، تودي بالقتلى والضحايا، وتدمّر البيئة أيضا منذ عقود، مما يثير في العائلة الرعب، وتنكشف العواطف الردئية في ما بينهم، وتظهر اتهاماتهم بعضهم لبعض بشكل واضح، مع احتفاظ كل شخصية في العائلة بطبقة من الكراهية نحو الآخر، مما يدفع الأب الى وضع مبلغٍ من المال لمن يكتشف الخائن داخل العائلة.
المدعي العام الذي قضى أربعين عاما من حياته لإثبات فساد العائلة، سيظهر في المحكمة بوصفه عدوا، ثم سيصبح الصديق الذي سيقابل الأب في البيت القديم للعائلة (الأب وأخته)، والبيت هنا مستوحى من قصة "سقوط بيت أشر"، ورمزية البيت ثقيلة في المعنى الذي صنعه بو في كتابته، فهو رمز للبداية، ورمز للخفي والكامن خلف كل شيء ثم يكون مقبرة أيضا. للصديق والقدر في فكر بو دلالتان: أن يكون للذات شريكٌ تسرد له واقع حالها وتاريخ تجاربها، وأن يكون للقدر شخصيةٌ تتمثّل في صديق مرافق ومقاربٍ بصديق خفي، يحكم الذات ويقتلها أيضا.
موت الأبناء وعجز الكاهن والمحقّق عن معرفة سبب موت الثمانية في أيام معدودة، سنعرفها عبر الحلقات. الجنيّة التي هي العقل الداخلي المكافئ لكل شخصية، والتي تعرف تماما خطايا كل شخصية وأهواءها ستكون كُرسي الاعتراف أو إلهة المكافأة والعقاب لكل شخصية دون أي قدرة للخلاص منها. دون القدرة على الخلاص من دمويتها التي هي دمويتهم أيضا.
يقود موت الشخصيات طريقنا الى معرفة تاريخها، ترتبط الأحداث كلها بالرغبة والإفراط في الغطرسة. أما في ما يخصّ الأب فهو يُعاقَب على أفعاله عبر أبنائه، وسنعرف ببطء خلال القصة التاريخية للأخوين كيف كانا مُختارَين لكل ما فعلاه وأسّساه معا، وكيف يعضّان أصابعهما بقسوة أكثر لتحمّل كل المآسي -التي تتكثّف في ثماني حلقات- مقابل ألا يُهزَما، وأن يكونا أكثر قسوة من أي قدر.
إدغار داخل السرد
العقاب من القدر ليس مؤجّلا ولا يُقام المسلسل تماما على مبدأ العاقبة، بل هو مستوحى من آلية إدغار في الكتابة والسرد، في أن يكون العقل هو المدمّر الذاتي الأول، فلكل مقتلةٍ سببان في المسلسل: إفراط الأب -مؤسس العائلة- في التوحّش والهوس في السيطرة، وجعله المال والغطرسة والشر والاستغلال طريقته لتربية أولاده، الذين تحولوا بالتالي وحوشا مختلفي الوجهة وضحايا له أولا، وصولا الى جعل كل شخصية راضخة لرغباتها وميولها في استهلاك البشر واستغلالهم، وقيادتهم لرغباتهم وغطرستهم ليُعنّفوا البشر ويُسيطروا عليهم ثانيا.
الكاتب ينشقّ قليلا عن تكثيف إدغار في مجمل قصصه نحو إتاحة خير مفترض لكل شخصية لكي تنجو من دمارها، إما عبر الصديق أو الصديقة، الحبيبة أو الابنة أو عبر الحيوان أحيانا. لكنهم يشحذون قدوم القدر إليهم لكي يعاقبهم على غطرستهم وعنفهم. إنهم ليسوا ضحايا فقط. الفارق في الكثافة القصصية هو الأب وأخته وزوجة الأب الأولى، فالمسلسل يرصدهم بأطوارهم الممتدة عبر الزمن مذ كانوا فتيانا، وصولا الى تجربتهم في الواقع الحياتي الذي واجهوه بموت الأبناء.
لكن بين الأب وأخته وأولاده مفارقةٌ مكرّرة لم يتعلموا منها، في أن الصلاح ممكن، وأن الخير متاح وله أوجه سهلة أحيانا. إن شيئا من العاطفة مصيري أيضا خلال المسلسل، فحتى العاطفة التي يملكها الأب للحفيدة حاول صونها بصنع آلة مشابهة لها، لا أحد يصدّق العاطفة سوى أنها علاقة مع الذات ورغباتها. إنه إدغار، وهو يعي بداية الحداثة ويعرفها، حيث تؤدي الى التقانة وتفتيت الإنسان.
مسرحية من أجل الموت
المساحة بين موت الشخصية وحياتها هي مساحة متخيّلة من أجواء إدغار آلن بو للرعب. أما فكرة الموت وآلية الاستجابة له فستكونان من رسم المخرج، بناء على أساسيات مأخوذة من تصورات بو في القصة القصيرة التي يختتم فيها الموت كمشهد. يعمل المسلسل دراميا على مبدأ العلة الدرامية دون إطالة في الزمن، وهي أيضا من آليات إدغار في الكتابة المكثفة، لكنها في الصورة كانت فنا. طرق الموت كلها تقوم على دمار محيط الجسد، الأبنية التي تُشق الزجاج الذي يخرج من الجدران والموت في قبو الحيوانات.
تخيّل سبب الموت وشكله، هو الأداة الفيلمية للمخرج، ظلام العقل هو الرغبة والأنانية المفرطتان، الإفراط في التملك أو الرغبة، الإسراف في البذخ والشهوة والجنس، التقانة والإيمان فيها الى درجة جعل أجساد الناس ألعابا للتجربة، والهوس في تحقيق الإنجاز من أجل السمعة والمكافأة المالية. كل هذا يُستوحى من قلب قصص إدغار، ومن قلب موجة أدب الرعب.