ضمن "البحر الأحمر السينمائي"... وثائقي يروي قصة "إخفاء صدام حسين"https://www.majalla.com/node/305491/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B6%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%88%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A5%D8%AE%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86
جدّة: ضمن عروض المسابقة الرسمية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، قُدّم العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي العراقي "إخفاء صدام حسين" من إخراج هالكوت مصطفى ومن إنتاج النرويج والعراق.
يعود الفيلم 18 عاما إلى الوراء، عندما كانت القوات الأمريكية في العراق تكثف جهودها بحثا عن الرئيس الراحل صدام حسين، الذي اختفى بعد سقوط بغداد في محلّة الدور، حتى كُشف عن مخبئه بعد 8 أشهر في حفرة في مزرعة يمتلكها علاء نامق وهو الرجل العشائري الذي أخفى صدام طوال 235 يوما قبل أن تعتقله القوات الأميركية في نهاية عام 2003، ليعدم بعدها بثلاث سنوات.
في المشهد الافتتاحي نرى علاء نامق جالسا القرفصاء وهو الراوي الوحيد في الفيلم، أمام عدسة كاميرا أمامية ثابتة، وهي زوايا التصوير التي تظلّ ثابتة بصفتها محاورا أو محققا رمزيا. يسرد علاء القصة كونه مضيف الرئيس الهارب، متحدثا عن أصول الضيافة بين العشائر وكيفية إكرام الضيف، وإن كانت لغة جسده تبثّ إشارات تنبؤ بالتغافل عن بعض الحقائق، في محاولة لتجميل المعلومات. يجب أن نعي جيدا أنه يروي قصة رئيس كان يجري البحث عنه على أوسع نطاق خلال أشهر عديدة عاشها العراقيون في هلع وخوف بسبب المداهمات المنزلية والأسر العشوائي، لكن نامق يركز في السرد على جوانب الكرم والضيافة أثناء مكوث صدام في مزرعته. ويعرض الفيلم مطوّلا مدى الانسجام الذي حدث بين الضيف والمضيف، وتبرير هذا الاخير بعض اللحظات القاسية المليئة بالقلق النابع من المحبة، مكررا عبارة "لقد خفت"، فهل كان الحب أم الخوف هو ما دفعه إلى التستر على شخصية يبحث عنها 150 ألف جندي أميركي في العراق؟
يعرض الفيلم مطوّلا مدى الانسجام الذي حدث بين الضيف والمضيف، وتبرير هذا الاخير بعض اللحظات القاسية المليئة بالقلق النابع من المحبة
ثغرات
لايمكن إنكار أن الشهادات المحكية هي عصب الأفلام الوثائقية ومركز جاذبيتها، ومع أن الفيلم يدّعي الموضوعية وعدم الانحياز إلى أي طرف، لكن الحكي عند نامق رغم ثباته الانفعالي، ورغبة المشاهد في سماع تطورات الاختباء المشوّقة، يفسده التفسير المسرف لكل شعور انتاب ناكق وكلّ ظنّ راوده في حينها، وإن كانت تلك الظنون مشروعة، وكأنّ الشرح تطهر أخلاقي من ذنب لم يقترفه نامق، أو هذا ما تكشفه وقائع الفيلم على الأقل، وما يرافقها من سرد، ومن مشاهد تحاكي الأيام التي قضاها الرئيس المخلوع في المزرعة، فتظهر بلقطات العرض البطيء، وهي كثيرة جدا في الفيلم إلى حدّ يجعلها غير مبرّرة، إذ تفتقر إلى المهارة الإخراجية، بل تظهر كمرحلة إنشائية بدائية لم تبلغ حدّ النضج الفني. ومن الواضح أن هذه الجوانب لم تحظَ بالاهتمام الكافي خلال التصوير وما بعده.
ينتهي الفيلم بكشف معلومات عابرة أسفل الشاشة تفيد بأن الواشي، والذي كان يتردّد على المخبأ، لزيارة الرئيس المخلوع، حاول قتل بطل الفيلم مرتين. وعلى الرغم من توجيه السؤال إلى المخرج حول هذه المعلومة دون إضافة توضيحية عن سبب محاولة القتل وتوقيتها، إلا أن إجابته جاءت ملتوية وغامضة، إذ أشار إلى حقائق داخلية وخارجية لا يرغب في الحديث عنها أو الخوض في مسائل سياسية.
تظهر هذه المراوغة كمحاولة لتوجيه الانتباه بعيدا عن الجوانب السياسية، وكأن الفيلم يتحدّث عن فلاح هارب، وليس عن رجل حكم العراق طوال عقود، وتاريخه حافل بالأحداث والتحولات. فهل من المعقول، على سبيل المثال، ألا يحمل "بطل" الفيلم الرئيسي شيئا من الحنق أو الغضب تجاه ما آلت إليه أحواله بعد كشف الحفرة، بدءا من الإستجواب لمعرفة مكان الخندق وما تبع ذلك من ضرب مبرح، مرورا بوفاة أبيه بعد صدمة كشف السر، وهي معلومة لا ترد في الفيلم نفسه، لكن نامق لم ينفها أيضا في ندوة ما بعد الفيلم، وصولا إلى اعتقاله في سجن أبو غريب لمدة أشهر، والتعذيب الذي تعرض له هناك، ثم إطلاق سراحه وعودته إلى نقطة الصفر؟ كل تلك العذابات المنصهرة في الألم والذل والإهانة والخوف وانقطاع الرزق لا تصل، ونظلّ نتساءل كيف لإنسان أن يعيش في كمد وأن يمحو اسم الشخص المسبّب لكل تلك الويلات من وجدانه وذاكرته؟
مهما استندت النوايا إلى الرغبة في الموضوعية، إلا أن الفيلم في مجمله يبدو في نهاية المطاف نموذجا دعائيا لصدام حسين، جاعلا إياه يرتدي أجنحة ملاك الحكمة
أسئلة معلقة
يبرر علاء حبه لصدام أنه لم يسمع عنه أي خبر سيء أثناء حكمه، يقول في هذا الشأن: "لم نسمع أنه اضطهد الشيعة واستخدم الكيماوي، نحن أبناء منطقة بسيطة ومعزولة لا تصلنا الأخبار"، لكن في الوقت ذاته يكشف الفيلم عن فلاح ذي عقلية سياسية محنكة في تدبير أمور الإخفاء وتقديم الحلول المبتكرة في كل مرة.
ويبقى السؤال: ما الذي يجعل علاء يكرّر إعلان المحبة خلال السرد، إلا إن كان مقصده التفاخر ببطولة وهمية مغلّفة بتواضع غير مقنع: "أنا الذي حفرت له الحفرة... أنا الذي حمّمته... أنا الذي حملته على ظهري لعبور المستنقع" إلخ. إلى هنا لا نحمّل عبء الأسئلة كلها لعلاء الفلاح البسيط والذي يواجه الأضواء للمرة الأولى، على الرغم من أنه الشاهد الأبرز على الحكاية وحكائها الوحيد، لكن بإمكاننا اختزال محور الأسئلة وتوجيهها إلى المخرج: ماذا يريد أن يقول من خلال الفيلم؟
مهما استندت النوايا إلى الرغبة في الموضوعية، إلا أن الفيلم في مجمله يبدو في نهاية المطاف نموذجا دعائيا لصدام حسين، جاعلا إياه يرتدي أجنحة ملاك الحكمة والثقافة والشعر والتأمل، ولعلّ هذه الصورة المسبقة هي التي تحول دون الحصول على زاوية رؤية مختلفة للقصة، ولا الغوص في تفاصيل أعمق، واشدّ دلالة، حول الرجل ومضيفه، ولا حول تلك الحقبة العاصفة والمصيرية في تاريخ العراق، والتي لا تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
يذكر أن المخرج الكردي هالكوت مصطفى يقيم في النرويج وهو من مواليد 1979، ويعدّ "اختفاء صدام حسين" الثاني له بعد فيلمه الروائي الأول "كلاسيكو" (2015) الذي يتناول قصة شقيقين من إقليم كردستان يغادران وطنهما في رحلة محفوفة بالمخاطر من أجل الحلم بلقاء نجم كرة القدم كريستيانو رونالدو.