تظلّ المكتبات العامّة واجهة أساسيّة لصناعة فعل القراءة وتعزيزه، على الرغم من صعود أسهم الكتاب الإلكترونيّ والمكتبات الخاصّة، المحمولة في الجيب عبر الموبايل أو الأجهزة اللوحيّة، ومع تطور المكتبات التجاريّة وتنامي أدواتها التسويقيّة.
لكن المكتبات العامة في العراق تعرّضت كما باقي مفاصل الحياة إلى تحدّيات هدّدت وجودها. فمع دخول البلاد نفق الحروب المظلم، تحوّل الإنفاق الحكومي من مجالات التنمية الثقافية إلى تدعيم الترسانة الحربية، فتقلّص تدفّق الكتب إلى حد كبير. كما أن سياسة الحاكم الواحد الشمولية لم تتفق مع تنوّع الآراء وتقاطع الرؤى، مما جعل رفوف المكتبات تتعرّض إلى عمليات تفريغ واستبدال ممنهجة، فأبعد كلّ كتاب "مشبوه" يتحدّث عن قيم التعددية والحرية والديموقراطية خارج المفهوم البعثي الحاكم.
ثم جاء غزو الكويت، والحصار الاقتصادي، ليفاقم عزلة المكتبات العامة عن العالم، ويحرم روادها من التواصل مع ما يحدث خارج الحدود من تغيرات مضطردة علميا ومعرفيا. هيمنت العزلة التي فُرضت على البلاد على واقع الكتب والمجلات المستوردة، وصار الكتاب الجديد والأعداد الحديثة من الدوريات العلمية والثقافية والترفيهية حلما للقرّاء الذي استعاضوا عنها بما ظلّ يعبر الحدود خلسة من طريق التهريب أو المسافرين. وهي كميات لا تكاد تذكر، ولا تسدّ النقص الحاصل، على الرغم من لجوء العراقيين إلى استنساخ الكتب ثم بيعها في شارع المتنبي لسدّ النقص فيها، حتى راج ما سُمّي لاحقا بِـ"ثقافة الاستنساخ"، ومن ثم "أدب الاستنساخ". لكنها ظلت محصورة في بؤر تأثير محدودة وتحت مراقبة النظام ومضايقاته المستمرة.