كتب هنري كيسنجر في مذكراته: "إن بدء مفاوضات معقدة يشبه بداية زواج مرتب، يعلم فيه الشركاء أن الإجراءات الشكلية ستنتهي عندما يكتشفون السمات الحقيقية لبعضهم بعضا".
تلخص هذه الكلمات تجربة الرجل في سياسات الشرق الأوسط– المعقدة أيضا- وجولاته الدبلوماسية المكوكية الشهيرة مع الرئيس المصري أنور السادات، والسوري حافظ الأسد. يحتفي التاريخ الأميركي بهنري كيسنجر كرجل دولة من الطراز الرفيع، وهو دون أي شك كذلك. وفي عالمنا العربي يعدونه أقرب إلى مناور ماهر وعبقري، ولو بأجندة شريرة في مساعيه وغاياته. بدلا من تحقيق السلام، مزق كيسنجر– بمفرده تقريبا– منطقة الشرق الأوسط عبر نسف العلاقات السورية المصرية من جهة، وخلق اضطرابات وقلاقل أمنية في العراق من جهة أخرى، مع إصراره على إبعاد ياسر عرفات والقضية الفلسطينية برمتها، عن دوائر صناع القرار في واشنطن.
في أثناء عمله مستشارا للأمن القومي في ولاية ريتشارد نيكسون الأولى، لم يكن لكيسنجر أي دور فعال في شؤون المنطقة، باستثناء الدعم الكبير الذي قدمه للأردن أثناء أحداث "أيلول الأسود" الدامية سنة 1970. وكتب لاحقا: "تأثيري في رسم سياسة الشرق الأوسط خلال ولاية نيكسون الأولى كان أقل مباشرة بكثير من بقية المجالات. أستطيع أن أكتب مذكرة (للرئيس)، وكان بإمكاني التحذير من أمر ما، لكنني لم أمارس أي تحكم حقيقي".
أعيد انتخاب نيكسون في نوفمبر/تشرين الثاني 1972 ووعد أن الشرق الأوسط ستكون له "أولوية كبرى" في إدارته الجديدة، ولكن ليس قبل الانتخابات الإسرائيلية في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1973 (التي أُجلت شهرين بسبب اندلاع حرب أكتوبر). مهمته كانت ضمان استقرار المنطقة العربية لكي لا يعكر شيء صفاء الانتخابات الإسرائيلية، وبهذا يكون كيسنجر الوزير قد فشل في مهمته الأولى، لأنه تفاجأ بالحرب المصرية السورية في خريف عام 1973.