جاءت النتيجة المنتظرة ونجح رهان المملكة العربية السعودية في أن تكون وجهة العالم ومحوره، بعد نجاحها الباهر في استضافة معرض إكسبو، الذي يأتي بعد إكسبو دبي 2020، الذي حضره 23 مليون زائر، ومن ثم بعد أوساكا اليابانية في نسخة العام 2025.
حان الوقت لتنظيم نسخة معرض إكسبو 2030 في العاصمة الرياض، فماذا ينتظر العاصمة السعودية وما المنتظر منها؟
جزء من الإجابة يكمن في تاريخ انعقاد المعرض، وهو التاريخ الذي تتجلّى فيه رؤية 2030، بثمارها المرتقبة، والتحولات العميقة التي أحدثتها وستواصل إحداثها في المشهد التنموي والنهضوي السعودي، الذي وضع المملكة منذ الآن في قلب التحوّلات العالمية، وصناعة المستقبل، إن لم يكن أبرز وجهات هذه التحولات.
في أوائل تسعينات القرن الماضي، ابتدع الباحث الفرنسي رينو كامو تعبير "الاستبدال العظيم" الذي جاء نتيجة مراقبته للتغيرات الاجتماعية في سكان ضواحي قرية فرنسية صغيرة، وقد حفلت تنظيراته تلك بالكثير من الوساوس حول الهوية الغربية القابعة تحت حصار متخيّل يجعل الغرب منشغلا بأوهام عنصرية لا يزال يعاني منها، بل إنها آخذة في التفاقم أكثر فأكثر.
لأن البنى الثقافية والدينية التي تقف عليها السعودية، بنى راسخة في التاريخ والجغرافيا، فإن المملكة تشق طريقها بهذا الهدوء الواثق السلس نحو الارتقاء والتطور لتثبت أكثر فأكثر صوابية منهجها ورسوخ رؤيتها
في المقابل، يمكن لكلّ من يراقب التغيرات الأوسع والأشمل للبنى الثقافية والاجتماعية للدول، أن يرى بسهولة القفزة الكبرى التي حققتها المملكة العربية السعودية في التقدّم الثقافي والمجتمعي والعمراني والتطور الملموس الذي لا ينفك أثره يظهر على الجانب الاقتصادي أو قد يكون نتيجة له.
فالتوقعات التي يشي بها فوز السعودية باستضافة هذا الحدث التاريخي، تستشرف حدوث قفزات تنموية إضافية، سمّاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "التحولات المحورية" باعتبار أن السعودية ستكون مركزا ووجهة للعالم أجمع. ففي حين تعصف الأزمات بدول عظمى، بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي واقتصادي، ناهيك بالموقف من الأقليات نتيجة ذلك "الاستبدال الكبير"، تثبت السعودية أنها تمضي في خطى ثابتة وواضحة وواثقة نحو تحقيق ما كان يعتبره البعض مستحيلا.
ولأن البنى الثقافية والدينية التي تقف عليها السعودية، بنى راسخة في التاريخ والجغرافيا، فإن المملكة تشق طريقها بهذا الهدوء الواثق السلس نحو الارتقاء والتطور لتثبت أكثر فأكثر صوابية منهجها ورسوخ رؤيتها وحيوية القائمين على وضع سياساتها وتنفيذ تلك السياسات، في حين نرى تعثّر كثير من الدول التي باتت تعاني من العجز والشيخوخة، "وكأن لسان الكون نادى بالخمول فاستجاب"، على حدّ قول ابن خلدون في مقدمته.
فما بين الصراعات الإقليمية، وردود الفعل العنيفة ضد العولمة، صنعت السعودية لنفسها ولشعبها مكانة وهوية ممتدة من جذورها وتراثها، لتمضي نحو مستقبل طموح في عصر مليء بالتحديات ولكنه مليء أيضا بالفرص، وشعارها الأساسي في رحلة التنمية هو تحقيق حلم الناس في حياة أفضل. وهنا تتجلى الفردية في معانيها الأسمى، إذ أنها لا تنشقّ عن شجرتها الشامخة، بل تبدأ منها لتصل إلى تنمية مستدامة يشارك في صنعها جميع أبنائها.