ارتبط كاتب ياسين في الذاكرة الأدبية العربية برائعته "نجمة" التي صدرت عام 1956 باللغة الفرنسية وترجمت إلى العربية أكثر من مرة، آخرها ترجمة الدكتور سعيد بوطاجين لدى "منشورات الاختلاف" و"العربية للعلوم - ناشرون" ثم "ضفاف". رواية صنعت وهج هذا الكاتب العالمي نهاية خمسينات القرن الماضي، لكنها على الرغم من أهميتها لم تكن إلا محطة وقف عندها قطار إبداع كاتب ياسين الذي لم يعتبر نفسه روائيا قطّ، وهذا ما ظهر جليّا في أعماله اللاحقة عندما شغل الشعر والمسرح أكبر مساحة في مدوّنته الإبداعية، فهو بعد عقود طويلة من الكتابة لم يمنح العالم إلا روايتين لا غير.
صورتان لكاتب واحد
على عكس صورته في المشهد العربي، فإن كاتب ياسين يُعرّف في الغرب على أنه شاعر وروائي وكاتب مسرحي ملتزم وصحافي محقق وأيضا كاتب سياسي مقتدر. لكن تبقى أعماله الشعرية والمسرحية الأكثر اقترانا بصورته واسمه في الساحة العالمية للإبداع ومكّنته من أن تصنّف أعماله مع كلاسيكيات الأدب المعاصر، في الخانة ذاتها التي وضع فيها كبار كتاب القرن العشرين.
هما صورتان لكاتب واحد: تقدّمه الأولى لنا على أنه روائي متميّز وربما استثنائي أيضا، وهي صورته في العالم العربي الذي لا يعرف عنه إلا أعمالا يسيرة في مقدمها رواية "نجمة"، معتقدا أن ما قرأه من ترجمات لها هي الرواية نفسها التي قلّبت موازين السرد الفرنكفوني، بل أثّرت حتى في الأدب الفرنسي المعاصر الذي ظلّ لعقود طويلة ينأى بنفسه ترفعا عن أي أدب يكتب بالفرنسية بقلم غير الفرنسيين. لكنّ الحقيقة أنه قرأ ترجمات لها فحسب، أغفلت روح العمل ومرجعياته الأيديولوجية والفلسفية، ليس بسبب قصور في المترجم، بل لأن العمل في حدّ ذاته كُتب على نحو يستحيل فيه القبض عليه قراءة أو ترجمة، وهذا ما جعل النقد لاحقا يُجمع على أن "نجمة" من الروايات التي لا يستطيع حتى كاتبها سبر أغوارها أو كتابة ما يشبهها، لسبب بسيط هو أنها رواية حمّالة أوجه، مما أجهض بلا شك كل محاولات ترجمتها لحدّ الساعة، ولعلّ أحسن وصف لها هو ما قدّمه سعيد بوطاجين صاحب أحدث ترجمة صدرت لها والأكثر اشتغالا مقارنةً بغيرها حين قال إنها تضعك أمام خيارات لسانية ومعجمية وأسلوبية عدة، والحال أن كلّ هذه الخيارات ستكون مجرد مقاربات فرضية لا تفي بالغرض.