يقول المخرج الأميركي ديفيد فينشر، بفخر في مقابلة، عن أحدث أفلامه "القاتل"، من إنتاجه، وتوزيع "نتفليكس": "لن أكون أبدا مخرجا ناضجا، سأحمل معي دائما الطفل البالغ من العمر 12 عاما أينما ذهبت". يبلغ ديفيد فينشر 61 عاما من العمر. وكلمات هذه تنبعث منها رائحة الغرور، وكأنه يقول على سبيل المثال "لن أكون يوما في نضج ستانلي كيوبريك، أستطيع ذلك، لكنني لا أريد". ومع هذا يظلّ فينشر من أكثر المخرجين إثارة في هوليوود، وأفلامه مثل "سفن"، و"نادي القتال"، و"زودياك"، و"الفتاة ذات وشم التنين"، علامات سينمائية في العنف الدموي.
لا يبتعد فيلم فينشر الأخير عن هوسه بالجريمة. البطل قاتل مأجور، بارد مثل الثلج، يؤدّي دوره الممثل مايكل فاسبندر، وهو لا يحمل اسما بعينه، ويتحرك بأسماء مزيفة، متعدّدة، يتنقل بها بين مطارات العالَم. باريس، جمهورية الدومينيكان، ولايات أميركية. يردّد مايكل بصوت هادئ طوال الفيلم، مونولوغا رتيبا، يحثّ به نفسه على عدم الارتجال، والالتزام بالخطة، وعدم الثقة بأحد، والامتناع عن التعاطف، لأن التعاطف ضعف. المونولوغ الداخلي ليس من مفردات السينما المفضلة، لاسيما إذا كانت سينما حركة، فالمونولوغ الساكن، والمكرر، يعني أن السيناريو فارغ تقريبا من الحوار، وهذا يضع عبء تمرير الدراما على أداء مايكل فاسبندر، الذي ينجح إلى حد كبير، والذي تعكسه أسلوبية فينشر القوية في التحضيرات والاستعدادات الصامتة التي تسبق مهمة البطل الوحيدة، وهي القتل مقابل المال.