يشبه البحث عن الأدوية في لبنان مشاهدة فيلم من الخيال العلمي أو المشاركة فيه. في العام الماضي، أُصيب أحد أفراد العائلة في لبنان بمرض تنكسي. زادت من صدمة الأسرة بالتشخيص، صدمة أخرى حين علمت بأن الدواء الضروري لعلاج أعراض هذا المرض غير متوافر في البلاد. تزامن هذا الأمر مع بحث كنت أعده عن التجارة غير المشروعة في لبنان. فاندمجت تجربة البحث عن الدواء بسلاسة مع البحث نفسه، لتقدم صورة حية عن مدى تغلغل الفساد في لبنان وانتشاره، وكشفت عن صورة أوسع لبلاد يعاني فيها معظم السكان من اليأس.
تشعر وأنت تبحث عن الدواء في لبنان كأنك منخرط في نشاط إجرامي. لم يسفر انتقالي بين صيدليات بيروت الكبرى، بهدف الحصول على العلاج الضروري لقريبي، عن أي نتائج. بعد ذلك، اتصل بي أحد الأقرباء ليقترح عليّ اسم صيدلية محددة، وطلب مني ذكر اسم شخص محدد أمام الموظفين كمرجع أرسلني إلى هناك. أسرعت إلى تلك الصيدلية، وعندما ذكرت اسم الدواء الذي كنت أبحث عنه، سألني موظفو الصيدلية: "من هو الشخص الذي أرسلك إلينا؟". بمجرد سماعهم اسم الشخص الذي طلب قريبي مني ذكره، سألوني أن أنتظر "حتى نذهب إلى الخلف ونضع التسعيرة على علب الأدوية المطلوبة".
كان الدواء متوفرا لكنه كان مخفيا وذلك بسبب توقع الصيادلة قيام الحكومة برفع الدعم عنه. لهذا، اشترى الصيادلة والتجار مخزونا كبيرا من الأدوية بأسعار الجملة المدعومة بهدف بيعه بأسعار مرتفعة جدا بعد رفع الدعم، مما سيحقق لهم أرباحا إضافية هائلة. جشع التجار والصيادلة حوّلهم إلى قتلة فعليين للأشخاص الذين يواجهون الموت بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الأدوية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.