ما قصة مؤتمر المناخ الذي تستضيفه الإمارات؟https://www.majalla.com/node/305296/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B6%D9%8A%D9%81%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D8%9F
يبدأ مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون (COP 28) أعماله غدا في الإمارات العربية المتحدة، وهو نفسه مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في اتفاق باريس في دورته الخامسة (CMA5). إنه كذلك مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو (CMP18). لكن، ماذا يعني هذا كله؟ حسنا، إنها قصة طويلة.
في أبريل/نيسان من العام 1896، نشر العالم السويدي سفانتي أرينيوس، ورقة بحثية تحذر من تسبب البشر في تغير المناخ العالمي. لكن البشر لم يهتموا كثيرا بهذه الورقة. مر الزمن، الى أن أدرك الناس التغيرات الحاصلة حولهم، فانطلقت الحركات البيئية، إلى أن استجابت غالبية الحكومات، واتفقت على ضرورة وضع اتفاق للتصدي لأزمات التغيرات المناخية. فنشأت "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخي" (UNFCCC)، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994. ويبلغ عدد الأطراف الموقعين اليوم 198طرفا.
ولكي تتمكن تلك الدول-الأطراف من الوصول إلى حلول لهذه الأزمة العالمية؛ تجتمع كل عام، لمناقشة ما يحصل، والبحث عن حلول له، وهذا الاجتماع يُسمى بـ"مؤتمر الأطراف" (Conference Of the Parties)، واختصاره المعروف هو (COP).
ما هو مؤتمر الأطراف لتغير المناخ؟
هو بمثابة الهيئة العليا لاتخاذ القرارات في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخي، وتحضر الدول الموقعة في كل مؤتمر باعتبارها أطرافا، وتعمل خلال المؤتمر على مراجعة القرارات اللازمة لتعزيز التنفيذ الفعّال للاتفاقية، ومراجعة البلاغات الوطنية وجرد الانبعاثات المقدمة وتقييم آثار التدابير التي اتخذتها الدول، والتقدم التي أحرِز لتحقيق أهداف الاتفاقية.
ليست حال مؤتمر الأطراف كحال المؤتمرات المناخية العادية، هو يُحتم اتخاذ خطوات فعّالة، ويرتبط أيضا بسياسات الدول الأطراف واقتصاداتها، مما يجعل النقاشات حادة
يجتمع الأطراف كل عام بانتظام، وقد تأجل المؤتمر مرة واحدة فقط، كان ذلك مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (COP 26) في عام 2020؛ بسبب تفشي وباء "كوفيد-19"، وانعقد في العام التالي 2021، في غلاسكو في المملكة المتحدة، وترأسه ألوك شارما.
عادةً ما يجتمع الأطراف كل عام في مناطق الأمم المتحدة المعترف بها، وهي: أفريقيا، آسيا، أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، أوروبا الوسطى والشرقية والغربية. وينتقل الـCOP، بين تلك المناطق بانتظام كل سنة؛ لإظهار التزامهم واهتمامهم بقضية التغير المناخي، ومواجهة تحدياته.
أبرز اتفاقات COP
منذ مؤتمر الأطراف الأول، رأى المفاوضون أنهم في حاجة إلى بروتوكول يُلزم الدول الغنية خفض الانبعاثات، وهذا ما حصل تماما. ففي عام 1997، انعقد مؤتمر الأطراف الثالث (COP3)، وخرج بروتوكول كيوتو، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005. وتميز بفترتين من الالتزام، الفترة الأولى بين عامي 2008 إلى 2012، وعندما انتهت، اعتمد الأطراف فترة أخرى تمتد من 2013 حتى 2020.
أدركت الدول أنّ بروتوكول كيوتو ستنتهي صلاحيته يوما ما، لذلك عمل الاطراف جاهدين على إيجاد اتفاق أو بروتوكول جديد، ليحل محل كيوتو بعد عام 2020، وفي عام 2015، على طاولة باريسية، خرج إلى النور "اتفاق باريس". كان ذلك في مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين (COP 21). ودخل حيز التنفيذ في 2016، ولا يزال العمل جاريا على تحقيق مواد الاتفاق المكونة من 29 مادة.
ما شكل المؤتمر من الداخل؟
بصورة أساسية، ينقسم المؤتمر الى منطقتين رئيسيتين: المنطقة الزرقاء، والمنطقة الخضراء:
- المنطقة الزرقاء؛ تابعة للأمم المتحدة، ولا يدخلها إلا من يحصلون على تصريح خاص منها، وفي تلك المنطقة، تُعقد جلسات، وتضم أيضا منطقة خاصة بالمفاوضات، ومنها تخرج قرارات المؤتمر كل عام. وعادةً ما تكون فيها وفود البلدان الأعضاء.
- المنطقة الخضراء؛ تابعة للدولة المضيفة، ويمكن أي شخص يريد دخولها الحصول على إذن من الدولة، وعادة ما تضم المنطقة الخضراء، المجتمع المدني والشركات، وفيها أقسام خاصة بالأطفال والشباب، وتُعقد جلسات مفيدة أيضا، وتكون أكثر حيوية، وتحمل طابع الدولة المضيفة نوعا ما.
تشترك المنطقتان الخضراء والزرقاء في إتاحة الكثير من الجلسات المفيدة للحضور. لكن داخل المنطقة الزرقاء، هناك منطقة المفاوضات التي لا يدخلها سوى المفاوضين، لأجل النقاشات والمفاوضات، وفي COP 27، أُطلق عليها المنطقة الحمراء.
ليست حال مؤتمر الأطراف كحال المؤتمرات المناخية العادية؛ فالمناقشات لا تتوقف عند الجانب العلمي للمناخ، الذي يُحتم اتخاذ خطوات فعّالة، بل يرتبط أيضا بسياسات البلدان الأطراف واقتصاداتها، مما يجعل النقاشات حادة وتتسم بالمشاحنات. لكن الحضور لا يرى هذا الجانب من المؤتمر؛ إذ يقول الدكتور هشام عيسى، وهو المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخ لـ"المجلة": "تلك الفعاليات المتاحة للجمهور أو الحضور، ليس لها علاقة بالقرارات التي تخرج من المؤتمر كل عام؛ فقرارات المؤتمر تخرج من المنطقة الحمراء أو منطقة التفاوض في المنطقة الزرقاء التابعة للأمم المتحدة".
تظاهرات وموسيقى وثقافة
من أمثلة نشاطات المؤتمر في العام المنصرم، COP 27، وأمام المنطقة الزرقاء، كانت هناك جماعة تتظاهر ضد أكل اللحوم، باعتبار ذلك مسؤولا عن 14.5في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة الإجمالية التي تقع على عاتق الناس. في تظاهرة أخرى، داخل المنطقة الزرقاء، كانت هناك طفلة صغيرة، تتظاهر أمام جموع من الحاضرين، وتنادي بحقها في التعلم والعيش بسلام، بعيدا من الآثار المترتبة على التغيرات المناخية. لكن كل هذا يتم بموافقة الأمم المتحدة وإشرافها.
في "كوب 28" ستناقش مواضيع: الصحة، والإغاثة والتعافي والسلام، التمويل والتجارة والمساواة الجندرية المسؤولة، الطاقة والصناعة والانتقال العادل
تتجه الأنظار اليوم إلى الإمارات، لاستضافتها هذا المؤتمر، لكن ما لا يُدركه الكثيرون أنّ مؤتمر الأطراف، عُقد من قبل في ثلاث دول عربية أربع مرات، هي كالآتي:
1- مؤتمر الأطراف السابع (COP 7)، في مدينة مراكش المغربية.
2- مؤتمر الأطراف الثامن عشر (COP 18)، في مدينة الدوحة في قطر.
3- مؤتمر الأطراف الثاني والعشرون (COP 22)، في مراكش، وكانت هذه هي المرة الثانية التي تستقبل فيها مراكش المؤتمر.
4- مؤتمر الأطراف السابع والعشرون (COP 27)، في مدينة شرم الشيخ، مصر.
كيف يسير المؤتمر؟
افتتح المؤتمر الأول للأطراف الذي عقد في برلين للعام 1995، مايكل زاميت كوتاجار، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التغير المناخي. وتوّلت الرئاسة أنجيلا ميركل، وكانت وقتذاك، الوزيرة الاتحادية للبيئة وحفظ الطبيعة والسلامة النووية. لكن جرت العادة بعد ذلك، أن يفتتح المؤتمر رئيس المؤتمر السابق، ويُسلم كرسي الرئاسة للرئيس الجديد. على سبيل المثل، افتتح مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP 27)، رئيس المؤتمر السابق (COP 26)، ألوك شارما، وسلّم رئاسة المؤتمر إلى سامح شكري، وزير الخارجية المصري. ثم انطلقت المفاوضات.
في كثير من الأحيان، تمتد أيام المؤتمر أكثر من المعتاد، وهذا حصل كثيرا من قبل. على سبيل المثل في ديسمبر/كانون الأول 2004، انعقد مؤتمر الأطراف العاشر، أي قبل دخول "بروتوكول كيوتو" حيز التنفيذ بشهرين. آنذاك اضطر المفاوضون لتمديد توقيت المؤتمر المحدد مسبقا يوما إضافيا للتوصل إلى اتفاق فعّال، وإدخال "كيوتو" حيز التنفيذ بعد ما يقرب من ست سنوات من نقاشات ومفاوضات. تلك المفاوضات ليست سهلة؛ فقد يُضطر المفاوضون الى عدم النوم لأيام، من أجل استكمالها.
ماذا في أجندة "COP 28"؟
تنطلق المفاوضات، ولكل مؤتمر أجندته الخاصة، وبعد الافتتاح تبدأ في اليوم التالي "القمة العالمية للعمل المناخي" (WCAS)، ويعرض فيها رؤساء العالم طموحاتهم المناخية ومدى تقدمهم خلال السنة الجارية، وطموحاتهم في ما يتعلق باتفاق باريس. ثم تتوالى المناقشات والمفاوضات.
ستناقش هذه السنة على مدى أيام المؤتمر مواضيع: الصحة، والإغاثة والتعافي والسلام، التمويل والتجارة والمساواة الجندرية المسؤولة، الطاقة والصناعة والانتقال العادل، النقل والبيئة العمرانية والتحضر، وخصص يوم للطبيعة واستخدام الأراضي والمحيطات، وآخر الغذاء والزراعة والمياه. ويختتم "كوب 28" بيومي المفاوضات النهائية.
أبرز أربع قضايا على طاولة "كوب 28"
هناك العديد من القضايا التي تتجه إليها الأنظار في مؤتمر الأطراف (COP 28)، ومن أبرزها:
صندوق الخسائر والأضرار... هل يعمل؟
تُشير المادة 8 من اتفاق باريس إلى ضرورة تجنب الخسائر والأضرار المرتبطة بآثار التغير المناخي الضارة، وتعزيز آلية وارسو الدولية المعنية بالخسائر والأضرار، التي انطلقت في وارسو، في مؤتمر الأطراف التاسع عشر (COP 19) عام 2013، وتمت الموافقة على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وكان ذلك أبرز حدث في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (COP 27). لكن، وفقًا للدكتور هشام عيسى، فتجهيز الصندوق للتشغيل، سيستغرق وقتا، وقد لا يتمكن الأطراف من الوصول إلى قرارات نهائية لتشغيله.
يقع على عاتق "COP 28"، وضع اللمسات الأخيرة لحسم الهدف العالمي للتكيف، ولا سيما مع ارتفاع فجوة تمويل التكيف من 194 إلى 366 مليار دولار سنويا
معضلة أسواق الكربون!
نشأت فكرة تجارة وحدات الانبعاثات ضمن آليات تنفيذ بروتوكول كيوتو، وتحديدًا المادة 17من البروتوكول؛ لتساعد الدول المتقدمة على تحقيق أهدافها المناخية في خفض الانبعاثات، لكن، عندما بدأ المفاوضون بكتابة "كتاب القواعد"، الخاص باتفاق باريس، واجهوا تحديات في ما يخص المادة. وفي "COP 26"، حاول المفاوضون إكمال المادة 6، لكن لم تُحل. وفي "COP 27"، لم يستطع الأطراف إكمالها أيضا، واكتفوا بتقديم بعض الإرشادات لتساعد في تشغيلها.
بحسب الدكتور هشام عيسى؛ فالمادة 6 تُمثل معضلة، في ما يتعلق ببيع وحدات الانبعاثات؛ إذ تُجبر الدول التي تبيع انبعاثاتها على خفض الانبعاثات بمقدار وحدات الانبعاثات المبيعة. على سبيل المثل، إذا التزمت الدولة خفض 100 طن، وخططت لبيع 20 طنا من وحدات الانبعاثات؛ فإنها ملزمة رفع طموحاتها الوطنية من خفض الانبعاثات إلى 120 طنا. لذلك؛ هي من أوائل المواد التي تحتاج إلى عمل خلال "COP 28".
يشغل الهدف العالمي للتكيف المادة 7 في اتفاق باريس؛ لمساعدة البلدان النامية في تجنب آثار التغير المناخي الضارة، وكان من مخرجات مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (COP 26)، مبادرة "برنامج عمل غلاسكو-شرم الشيخ" (GlaSS)، لتعزيز الهدف العالمي للتكيف، وهنا يقع على عاتق مؤتمر "COP 28"، أن يضع اللمسات الأخيرة لحسم الهدف العالمي للتكيف، خصوصا مع ارتفاع فجوة تمويل التكيف بمقدار يتراوح من 194 إلى 366 مليار دولار سنويا؛ حتى يتناسب مع احتياجات الدول للتعامل مع التغيرات المناخية، وتجنب آثارها الضارة.
الغذاء على مائدة "COP 28"
في عام 2017، كان مؤتمر الأطراف الثالث والعشرون (COP23)، آنذاك اتخذ الأطراف قرار "عمل كورونيفيا المشترك في شأن الزراعة"، ومن خلاله تتعاون الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجيا والهيئة الفرعية للتنفيذ من أجل تعزيز ومعالجة المشاكل الزراعية المتعلقة بالتغير المناخي، عبر تطوير نهج وأساليب تقييم للتكيف، وتعزيز خصوبة التربة وإدارة الثروة الحيوانية، وغيرها. وفي شرم الشيخ (COP 27)، خرج المؤتمر بـ"عمل شرم الشيخ المشترك في شأن التنفيذ في مجال الزراعة والأمن الغذائي" (SSJW)، الذي يهدف أيضا الى تعزيز الزراعة والأمن الغذائي، لكن مجال الزراعة والغذاء لا يزال في حاجة ماسة للتمويل؛ لتحقيق التكيف مع التغيرات المناخية. وهنا تنعقد آمال الكثير من المنظمات المعنية بالغذاء والزراعة على "COP 28".
ثمة الكثير من المعضلات والتحديات التي تواجه المفاوضين في أثناء النقاشات، وينتظر العالم بتأهب مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP 28)؛ وأهم مخرجاته، كما هي العادة، ربما يستطيع البشر اتخاذ إجراءات صارمة، تحد من آثار التغير المناخي.