مع استمرار الحرب في غزة، ظلت الصين تلتزم الصمت بشكل ملحوظ، على عكس سلوكها في السنوات القليلة الماضية، حيث اعتادت قوى الشرق الأوسط أن ترى دورا بارزا لبكين في المنطقة، ما رفع حجم تجارتها واستثماراتها ونشاطها الدبلوماسي. وكان من نتيجة ذلك أن تساءل بعض المراقبين عما إذا كان في مقدرة الصين أن تلعب دورا أوسع في الأزمة الحالية. وبالفعل، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، سافر وفد من القادة العرب والمسلمين، بمن في ذلك وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إلى بكين للضغط من أجل المزيد من المساعدة لإنهاء الصراع.
ولكن في الوقت الذي حث فيه شي جين بينغ إسرائيل على ضبط النفس في التعامل، وتعاطف مع الفلسطينيين وأنحى باللائمة في تفاقم الوضع على الولايات المتحدة، فإن الصين لم تتقدم على النحو الذي كان البعض يأمل أن يراه حول الوساطة الصينية، تأسيسا على نجاحها في الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران والتوصل إلى انفراج بينهما في مارس/آذار، وأردفت الصين ذلك الاختراق بلعب دور رائد في ضمّ الدولتين ومعهما مصر والإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة "البريكس" الموسعة في سبتمبر/أيلول. ومذ ذاك، زادت التوقعات بأن يكون لبكين دور أكثر بروزا في الوساطة الإقليمية.
ومع ذلك، كما تعلم القوى العظمى الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، فإن الوساطة هي نشاط دبلوماسي معقد وربما محفوف بالمخاطر. من المؤكد أن الصين حريصة على الارتقاء بنفسها في بعض الأحيان وتدرك قيمة أن يُنظر إليها باعتبارها "وسيطا نزيها" على مستوى العالم. ولكن في الوقت نفسه، لا تزال القوة الصينية محدودة وحذرة بشكل غريزي، مما يحد من قدرتها على القيام بدور الوسيط العالمي. وفي حالة غزة، قد يكون هناك الكثير من المخاطر والقليل جدا من الإيجابيات.
الانفراج الإيراني- السعودي
كان اهتمام الصين في الشرق الأوسط يتزايد منذ سنوات، ولعل تعطشها للطاقة هو الذي جعل المنطقة ذات أهمية خاصة بالنسبة لها، حيث أصبحت الصين أكبر عميل لشراء النفط الإيراني والسعودي، وثاني أكبر عميل للنفط الإماراتي. وكانت العلاقة الاقتصادية متبادلة، حيث استثمرت الشركات الصينية على نطاق واسع في الشرق الأوسط، وليس فقط في الخليج. فقد قامت إسرائيل ومصر والأردن بزيادة تجارتها مع بكين، في حين كانت الشركات الصينية وراء مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل البرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة خارج القاهرة والخط الأحمر لمترو تل أبيب. وقد وقعت كل حكومة في المنطقة، باستثناء إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية، على مبادرة الحزام والطريق بكين. وهذا الوجود الاقتصادي الكبير لم يقابله تدخل عسكري متزايد في المنطقة.